ولكن هذا الأصل انّما يجري في الأوّلين فيما إذا كان الشكّ في أصل التخصيص والتقييد ، المانعين عمّا يقتضيه اللفظ من الإطلاق والعموم ، دون الشكّ في كون الشيء مصداقا للرافع ، المعلوم ضرورة أنّه ليس للّفظ اقتضاء لتشخيص مصاديقه ، فلو دلّ دليل على أنّه يجب إكرام كلّ عالم ، ودلّ دليل آخر على حرمة إكرام فسّاقهم ، وشكّ في فسق أحدهم ، لا يمكن استكشاف حاله من أحد الدليلين ، حيث انّه لا يفهم منهما إلّا أنّه على تقدير عدم الفسق يجب إكرامه ، وعلى تقدير وجوده يحرم ، فلا بدّ من إحراز كلّ من التقديرين من الخارج ، فليس فسق هذا الشخص مانعا عن أصالة العموم ، وإنّما المانع عنه «لا تكرم فسّاقهم» المشكوك صدقه عليه ، وهذا بخلاف ما لو كان العلم من حيث هو مقتضيا لوجوب الإكرام ، والفسق مانعا عنه.
ولو قلنا بأنّه يرجع عند الشكّ في المانع إلى اصالة العدم ، الذي هو بمنزلة اصالة عدم التخصيص في العمومات ، ضرورة أنّ المقتضى لوجوب إكرام كلّ منهم هو علمه والمانع عنه ليس إلّا فسقه ، والعلم بالحكم الشرعي الكلّي ـ وهو مانعية الفسق عن وجوب الإكرام ـ إنّما يصلح مانعا عن أصالة العموم ، لا عمّا اقتضته الأسباب الخاصّة في مواردها ، فكذا فيما نحن فيه لو كان لنا دليل دالّ على أنّ عقد النكاح يدوم أثره ، ودليل آخر دال على أنّ الطلاق يرفعه ، لكان الدليل الثاني مخصّصا للأوّل ، فلو شكّ في مصداق خارجي في بقاء أثره لأجل الشكّ في حصول الطّلاق ، لا يجوز التمسّك بذلك العام الذي علم بورود التخصيص عليه ، بل يتمسّك بنفس ذلك العقد الخاص الخارجي ، الذي هو أحد مصاديق ذلك العام ، وهو يقتضي إباحة الوطي في خصوص متعلّقه ، ولا يرفع أثره إلّا الطّلاق الخارجي الصادر من الزوج ، الذي علم كونه في الشريعة رافعا لأثر العقد ، فلا فرق حينئذ بين الشكّ في وجود الرافع أو رافعية الموجود ، كما هو واضح.