محلّه أنّ هذا من المرجّحات المنصوصة ، التي يجب التعبّد بها ، سواء قلنا بكونه من مرجّحات صدور الخبر الموافق ، أو جهة صدوره أو مضمونه أم لم نقل ، لما ورد في المتعارضين من عرضهما على الكتاب والسّنة ، والأخذ بما يوافقهما وطرح المخالف ، وستعرف أنّ المراد بالموافقة والمخالفة في هذا الباب ، إنّما هو الموافقة والمخالفة لظاهرهما من الإطلاق والعموم ونحوه ، إذ الخبر المخالف لصريح الكتاب والسّنة لا يكاد يوجد في الأخبار المتعارضة ، مع أنّه في حدّ ذاته مطروح من غير معارض ، فهو خارج عن موضوع الأخبار الواردة في باب علاج المتعارضين ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : لأنّ مؤداها بيان حجّية أحد المتعارضين ... الخ (١).
أقول : إن اريد بالحجّية كونه طريقا لإثبات متعلّقه ، فهو غير معقول ، بعد معارضته بما يكافئه في الطريقية ، ويجوز له أخذه والعمل بمؤدّاه.
وإن اريد بها كونه مستندا شرعيّا لجواز الالتزام بمضمونه ، مع التردّد في مطابقته للواقع ، فهو حقّ ، ولكن حجّيته بهذا المعنى لا تنهض للحكومة على اصالة الإطلاق ، فقياسه على أدلّة حجّية الأخبار قياس مع الفارق ، حيث أنّ الأخبار بعد فرض حجّيتها تكون قرينة معيّنة للمراد من المطلق ، فلا يبقى معه مجال لاصالة الإطلاق.
وامّا الخبر المعارض بمثله ، فهو غير صالح لإثبات متعلّقه ، فضلا عن صيرورته قرينة لاستكشاف المراد من المطلق.
فالحق أنّ اصالة الإطلاق واردة على أخبار التخيير ، بعد فرض انصرافها إلى مواقع الحيرة ، التي لا يمكن استفادة حكمها من دليل شرعي ، سواء جعلنا هذه
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٨٣ سطر ١٩ ، ٢ / ٣٥٠.