الأكثر ، في حدّ ذاتها ممتنعة ، إذ المفروض أنّ الشّك في وجوبه أو تنجّزه مسبّب عن جريان الأصل في الأكثر ، فكيف يعقل أن يكون حكمه مانعا عن وجود ما يتوقّف عليه موضوعه وعن نفسه.
وإن شئت قلت ببيان أوضح : بعد الإغماض عن جميع ما ذكر ، إنّه لا يعقل أن يكون الأقل مرادا بأدلّة البراءة حتّى يتحقّق المعارضة بينه وبين الأكثر ، لتوقّفه على كون الأكثر موردا لها ، لتوقّف موضوعه عليه ، ومعه يمتنع شمول الدليل له ، وإلّا لم يكونا متعارضين ، وامّا الأكثر فلا يتوقّف إرادته منها على إرادة الأقلّ ، لإمكان التفكيك ، فالأكثر في حدّ ذاته شيء مشكوك الوجوب ، يمكن أن يرجع في حكمه إلى ما يقتضيه الشّك ، وامّا الأقلّ فلا يمكن فيه ذلك إلّا ومع الأكثر ، وهما معا محال ، فكون الأقلّ مشمولا لتلك الأدلّة محال ، فلا يصلح أن يكون شموله مانعا عن الشمول للأكثر حتّى يتحقّق المعارضة.
قوله قدسسره : كما لو علم إجمالا بكون أحد من الإنائين الذين أحدهما المعيّن نجس خمرا ... الخ (١).
أقول : يمكن القول بوجوب الاحتياط في المثال ونظائره ، ممّا كان المعلوم بالإجمال عنوانا محرما مغايرا للعنوان المعلوم بالتفصيل ، بأن يقال إنّ تصادق العناوين المحرّمة يوجب تأكّد الطلب وتعدّد العقاب ، وهذا هو المناط في إلزام العقل بوجوب الاحتياط ، فانّ العلم بوجود الخمر منشأ للعلم بتنجّز خطابه مطلقا ، غاية الأمر أنّه لا يعلم أنّ تنجزه منشأ لتأكّد الحرمة فيما علم حرمته تفصيلا ، أو أنّه تكليف حادث ، وهذا لا ينفع في نفي وجوب الاحتياط.
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٧٤ سطر ٢٥ ، ٢ / ٣٢٣.