وثانيا : إنّ الأقل في حدّ ذاته ليس موردا للبراءة ـ سواء قلنا بصيرورته مشكوك الوجوب بعد نفي وجوب الأكثر بالأصل أم لم نقل ـ لأنّ تركه في حدّ ذاته مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالإجمال ، فلا يعقل أن يعمّه دليل البراءة وهذا بخلاف الأكثر ، فانّ الرخصة في تركه ليست إلّا رخصة في المخالفة الاحتمالية لذلك التكليف ، ولا محذور في ذلك كما عرفته في الشبهة المحصورة ، فلا مانع من أن يعمّه دليل البراءة.
وبما بيّناه في ذلك المبحث يتّضح لك وجه ما أشار إليه المصنّف رحمهالله ، من أنّ ترك الأقل سبب لاستحقاق العقاب على مخالفة الواجب الذي علمه بالإجمال مطلقا ، سواء كان هو الأقلّ أو الأكثر الذي نفى وجوبه بالأصل.
وملخّصه : إنّ لإطاعة الحكم المعلوم بالإجمال مرتبتين : الاولى ترك المخالفة القطعية ، والثانية تحصيل الموافقة القطعية.
أمّا الاولى : فهي ممّا لا بدّ منها ، ولا يعقل للشارع أن يرفع يده عنها ، بأن يبيح مخالفته القطعية ، لرجوعه إلى التناقض أو الترخيص في المعصية ، التي استقلّ العقل بقبحها ، وسببيّتها لاستحقاق العقاب على مخالفة ذلك المعلوم بالإجمال الذي علم بمخالفته ، ولذا لا يعقل أن يعمّ أدلّة الاصول جميع أطراف الشّبهة ، مع كون كلّ واحد من حيث هو مشكوك الحكم.
وامّا الثانية : فهي ممّا يعقل أن يتصرّف فيه الشارع ، بأن يقنع في مقام الامتثال بالموافقة الاحتمالية لمصلحة مقتضية لذلك ، ولذا لا مانع عن اجراء الاصول ، والأخذ بعموم أدلّتها في بعض الأطراف ، عند سلامتها عن المعارضة بجريانها في الآخر ، كما فيما نحن فيه ، فمرجع الرّخصة في إعمال الأصل في الأكثر ـ سواء كان الحاكم بها العقل أو الشرع ـ إلى الاكتفاء في الخروج عن عهدة ذلك التكليف المعلوم بالإجمال بالموافقة الاحتمالية ، كما لا يخفى على المتأمّل.
هذا كلّه مضافا إلى أنّ معارضة الأصل الجاري في الأقلّ ، للأصل الجاري في