بإرادة ذيها ، وهو فاسد كما تقرّر في محلّه ، فالأقلّ على تقدير كون الأكثر واجبا في الواقع واجب أيضا في الواقع مطلقا من باب المقدّمة ، واجراء أصالة البراءة في الأكثر لا يوجب انتفاء وجوبه في الواقع ، كي يرتفع بذلك وجوب مقدّمته ، فالأقلّ معلوم أنّه بالفعل مطلوب ومراد الشارع ، إمّا لذاته أو مقدّمة الأكثر ، ولا يعقل جريان الأصل مع العلم التفصيلي بمخالفته للواقع.
وامّا ما توهّم : من أنّه لا يكفي العلم بوجوبه المردّد بين النفسي والغيري في تنجّز التكليف به ، بعد نفي وجوب الأكثر بالأصل.
فمدفوع : بأنّا لا نعقل لتنجّز التكليف بشيء ـ الذي هو عبارة عن إلزام العقل بوجوب الخروج عن عهدته ـ إلّا إدراك ثبوته في الواقع ، والقدرة على امتثاله ، من غير فرق بين كون ذلك الشيء مطلوبا لذاته ولغيره ، فلو دلّ مثلا دليل لبي من إجماع ونحوه ، على أنّه يجب الرواح إلى المسجد الأعظم ، وشكّ في أنّه هل هو من حيث هو أو مقامه للاعتكاف؟ لا يجوز ترك الرواح معتذرا باحتمال كونه مقدّمة للاعتكاف الذي هو المقدور ، وامّا نفس الاعتكاف فهو شيء مشكوك الوجوب ، يبقى وجوبه بالأصل.
نعم ، لو تعذّر الاعتكاف وصار الرواح بواسطته مشكوك الوجوب ، أمكن نفيه حينئذ بالأصل ، وهذا بخلاف صورة التمكّن ، فانّه حينئذ يعلم بوجوب شيء عليه بالفعل وقدرته على امتثاله ، فلا يعذر في مخالفته ، ولكن القدر المتيقّن الذي تنجّز في حقّه التكليف هو نفس الرواح دون الاعتكاف.
نعم ، لو قلنا بأنّ الخروج عن عهدة ذلك التكليف المعلوم بالإجمال ـ على تقدير كونه غيريا ـ موقوف على الإتيان بذلك الغير تحصيلا للجزم بحصوله ، على وجه تعلّق به غرض الأمر ، بدعوى أنّ الإطاعة اسم ، لذلك وجب الاحتياط بفعل الاعتكاف في الفرض. ولكن الدعوى فاسدة جدّا كما عرفته آنفا.