فلا يلزم من اقتضاء الأمر للفعل في الوقت أن يكون مقتضيا له فيما بعده ، وكان هذا كما لو أمر الطبيب بشرب الدواء في وقت فإنّه لا يكون متناولا لغير ذلك الوقت.
وكذلك إذا علّق الفعل بشرط معيّن كاستقبال جهة معيّنة أو بمكان معيّن كالأمر بالوقوف بعرفة فإنّه لا يكون متناولا لغيره.
كذا ذكره الآمدي ، وهو تطويل من غير طائل ، إذ لا شكّ في اختصاص بعض المصالح بمراعاة الوقت ، إنّما الكلام في كون تلك المصلحة قاضية بالأمر بها مستقلّا أو مقتضية للتقييد المطلوب بها مطلقا ، وليس فيما ذكر دلالة على أحد الأمرين ، على أنّ هناك قسما ثالثا وهو أن يكون الحكمة حاصلة في الوقت الثاني على وجه يكون أنقص من الأوّل ، فيكون الزيادة قاضية باختصاص الوقت الأوّل بالطلب المخصوص ، والقدر المشترك قاضيا بإطلاق الطلب.
ومنها : أنّ ما دلّ على وجوب القضاء في أكثر العبادات الفائتة يدور بين التأكيد والتأسيس ، فإن كان مأمورا به بالأمر الأوّل كانت فائدة تلك الأدلّة مجرّد التأكيد ، وإلّا كانت فائدتها التأسيس ، وهو أولى ، لعظم فائدته. وهو وجه ضعيف.
حجّة القول الآخر وجوه :
الأوّل : أنّ الفعل قبل خروج الوقت كان واجبا ، فالأصل بقاؤه على الوجوب فيما بعده حتّى يقوم دليل على سقوطه.
وفيه : أنّ الوجوب إنّما تعلّق هناك بالفعل المقيّد بالوقت فيمتنع بقاؤه فيما بعده ، لامتناع متعلّقه حينئذ فيكون من التكليف بالمحال ، والفعل الواقع فيما بعد الوقت لم يكن واجبا من قبل حتّى يتصوّر استصحابه.
ويمكن الجواب عنه : بأنّه إنّما يتمّ إذا كان الوقت المفروض قيدا للواجب دون الوجوب بأن يكون الطلب متعلّقا بالفعل المقيّد بالوقت. أمّا إذا كان الوقت ظرفا للوجوب فلا وجه لتقييد الفعل به ، فيكون المطلوب هو الماهيّة المطلقة ، والطلب في الوقت مستندا إلى النصّ وفي خارجه إلى الاستصحاب ، وهذا هو