الدّنيويّ ، كالغزاليّ وأشباهه ، وكذا من قال بأن المراد الأدلّة الواضحة أو العبادات ، حيث إنّ ذلك أيضا يؤول إلى التّأويل بالصراط الدّنيويّ ؛
إن كان مرادهم بذلك أنّه لا يكون في الآخرة ذلك الجسر الممدود على متن جهنّم أصلا ولا تكليف المكلّفين بالمرور عليه قطعا ، بل إنّ الأخبار الواردة فيه كناية عن أنّ من استقام في الدّنيا على الصّراط المستقيم يكون بعيدا في الآخرة عن النّار وقريبا من الجنّة على تفاوت مراتب استقامته ، وأنّ من نكب في الدّنيا عن الصّراط المستقيم وانحرف عنه يكون حاله بالعكس على تفاوت مراتب انحرافه ، فهذا خلاف ما نطق به الشّرع ، بل هو إنكار ما هو ضروريّ أو كالضروريّ فيه.
وإن كان مرادهم بذلك أنّ الصراط الأخرويّ هو مظهر الصراط الدنيويّ ، يعني أنّ حقيقة الصّراط الدّنيويّ التي هي في الدّنيا بصورة الدّين القويم ، تظهر في الآخرة بصورة ذلك الجسر الممدود ، فله وجه.
وتوجيهه أن يقال : إنّك قد عرفت فيما تلونا عليك سابقا في باب تجسيم الأعمال ، أنّه يجوز أن يظهر حقيقة كلّيّة تارة بصورة كصورة العرض القائم في موضوع ، وتارة بصورة أخرى كصورة الجوهر المستغني عن الموضوع ، وأنّه يجوز أن يكون حقيقة العقائد والأعمال والأفعال هي في النّشأة الدّنيويّة بصورة المعاني والأعراض تظهر فيما بعد الموت بصورة الأعيان والجواهر والأجسام صورة بهيّة أو مؤلمة جزاء لذلك ، أمّا في النشأة البرزخيّة فبصورة الأعيان المثاليّة ، وأمّا في النّشأة الأخرويّة فبصورة الأعيان والأجسام الأخرويّة ، وأنّه لا امتناع في ذلك ، حتّى أنّه يجوز أن يكون أصل الجنّة والنّار بما فيهما مظاهر للعقائد والأعمال الحسنة أو السّيئة.
وعلى هذا فجاز أن يكون الصراط المستقيم الذي هو عبارة عن الإسلام والدّين القويم ، وعبارة عن مجموع العقائد والأفعال والأعمال والأمور الخاصّة الحقّة تظهر في النّشأة الأخرويّة بصورة ذلك الجسر الممدود على متن جهنّم الذي هو أدقّ من الشّعر وأحدّ من السيف ، ويكون وجه المناسبة بين الظاهر والمظهر ، بأنّه حيث كان هو في النّشأة الدّنيويّة طريقا وسطا كالخطّ المستقيم الهندسيّ الذي لا عرض له ، كما أشار إليه