أن العقاب عليه ظلم. فثبت : أن الذي أوردوه [علينا (١)] وارد عليهم لا محالة.
الثاني : إن خلاف معلوم الله ممتنع الوقوع. فإذا قال لمن علم أنه يموت على الكفر : كلفتك بالإيمان. فكأنه قال له : غير علم الله وإلا عاقبتك. ومعلوم أن هذا لا يليق بالرحمة البتة. لأن كل ما أوصل الله من الرحمات إلى عباده ، لا يخلو إما أن يقال : إنه تعالى أحوجهم إليها وجعلهم مشتهين لها ، أو ما فعل ذلك. فإن كان الأول لم يكن ذلك رحمة. لأنه تعالى لما أحوجهم إليها ، ثم أعطاهم ذلك المحتاج إليه ، جرى هذا مجرى ما إذا خرق بطن إنسان ثم يداويه. فإن ذلك لا يعد رحمة. وإن كان الثاني وهو أنه تعالى ما أحوجهم إليها ، وما جعلهم (٢) مشتهين لها ، راغبين في حصولها ، لم يكن إيصال ذلك إليهم (٣) نفعا في حقهم. ألا ترى أن إلقاء العظم إلى الكلب إحسان إليه. لأنه يشتهي ذلك العظم. أما إلقاء قلادة من الدر (٤) إليه ، فإنه لا يكون إحسانا إليه. لأنه لا يشتهي ذلك فثبت أن على القسمين لا تعقل حصول الرحمة. وهذا بخلاف الإحسان الصادر من الخلق ، لأن الحاجة ما حصلت من قبل هذا المحسن ، بل كانت الحاجة موجودة في ذات ذلك الشخص. فإذا سعى إنسان في دفع تلك الحاجة ، كان ذلك إحسانا. أما الحق سبحانه فهو الذي أحوج إلى ذلك الشخص ، فإذا أعطى المحتاج إليه ، جرى [ذلك (٥)] مجرى ما إذا أساء ثم أحسن بقدر تلك الإساءة ، ومجرى ما إذا جرح ثم عالج ، فإن ذلك لا يكون إحسانا. فثبت: أن هذا الإلزام وارد عليهم.
الرابع : إنه تعالى لما علم من الكافر أنه لا يقبل الإيمان ، وأنه يقدم على الكفر والفسق ، وأنه لا يستفيد من الخلق والتكليف ، إلا عذاب الأبد. كان
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) وما جعلتم (م).
(٣) إليها (م).
(٤) الذي (م).
(٥) من (ل).