أن مذهبنا أقوى بسبب حرف واحد ، وهو أنا [إن (١)] قدحنا في قول : «الممكن لا بد له من سبب» انسد علينا باب إثبات الصانع ، وإن سلمنا بهذه المقدمة لزمنا القول بأن العبد غير مستقل بالإيجاد. فلما كان دليل قولنا في هذه المسألة ، ودليل إثبات الصانع : دليلا واحدا ، لا جرم كان جانبنا أقوى وأكمل.
ولنذكر الآن طرفا من الحكايات المذكورة في هذه المسألة :
الحكاية الأولى : جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ، وقال : أنا أملك الخير والشر ، والطاعة والمعصية. فقال علي بن أبي طالب : تملكها مع الله أو تملكها بدون الله؟ فإن قلت: أملكها مع الله (٢) فقد ادعيت أنك شريك الله ، وإن قلت : أملكها بدون الله ، فقد ادعيت أنك أنت الله. فتاب الرجل على يده.
الحكاية الثانية : جاء رجل آخر إلى علي بن أبي طالب ، وسأل عن القضاء والقدر. فقال : «بحر عميق. لا يدرك غوره» فأعاد السائل السؤال. فقال : «طريق مظلم ، لا نسلكه» فأعاد السؤال. فقال [علي (٣)] : «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» تعرف معناها؟ قال : لا. فما (٤) معناها؟ قال : «لا حول عن معصية الله ، إلا بعصمة الله. ولا قوة على طاعة الله ، إلا بتوفيق الله» وهذا إشارة إلى ما ذكرناه ، من أن القادر متساوي القدرة بالنسبة إلى الطاعة والمعصية. فلا يترجح أحد الجانبين على الآخر ، إلا لمرجح من قبل الله.
الحكاية الثالثة : ورد الشام معتزلي. فكتب هشام بن عبد الملك إلى أبي
__________________
(١) زيادة.
(٢) يقول المسيح عليهالسلام : «لو لم يخطئ الإنسان ، لما علمت أنا ولا أنت رحمة الله وبره. ولو خلق الله الإنسان غير قادر على الخطيئة ، لكان ندا لله في ذلك الأمر. ولذلك خلق الله المبارك : الإنسان صالحا وبارا ، ولكنه حر أن يفعل ما يريد من حيث حياته وخلاصة لنفسه ، أو لعنته» [برنابا ١٥٤ : ٢٣ ـ ٢٥].
(٣) من (م ، ل).
(٤) فإيش معناها [الأصل]