يوما ، ثم تبقى
علقة أربعين يوما ، ثم تبقى مضغة أربعين يوما. والمشاهدات الطبية دلت على أن الأمر
ليس كذلك . فإنه في مدة أربعين يوما يتكون الولد بتمامه ، ومشاهدة
السقط يدل على هذه الأحوال. وإذا كان هذا الخبر مشتملا على الخطأ ، وجب تنزيه منصب
النبوة عنه.
الثالث : إن الأمر لو كان كما قرره في كتاب «الجبر» وجب أن يكون الكفار كلهم معذورين.
وفي ذلك بطلان نبوته ورسالته. والفرع إذا أدى إلى فساد الأصل ، كان باطلا.
سلمنا : صحة الحديث. لكن الحديث لا يدل إلا على أن جميع أفعال العباد بعلم الله
وبحكمه. وذلك لا نزاع فيه. لأن مذهبنا أنه تعالى كان عالما في الأزل ، بأن «زيدا»
سيكون مؤمنا مطيعا ، وأن «عمرو» سيكون فاسقا كافرا. وأنه لا يصدر عنهما إلا ما علم
الله صدوره منهما ، وهذا القدر لا يدل على أنه لا قدرة للعبد على خلافه ، لأن
العلم لا يقلب الممكن محالا ، ولا يخرجه عن حد الجواز.
أما قوله : «لو لم يحصل ذلك المعلوم لانقلب العلم جهلا ، والصدق كذبا» قلنا : لما رجع
حاصل الاستدلال إلى هذا الحرف ، لم يبق لخصوصية هذا الخبر فائدة فإنه يقال : إنه
تعالى علم من كل أحد فعله المعين ، فوجب أن لا يقدر على تركه ، وإلا لزم انقلاب
علمه جهلا. ولا يقال : إنا نستدل بهذا الخبر على أنه تعالى عالم بالجزئيات. لأنا
نقول : إثبات النبوة فرع لهذه المسألة. فلو أثبتناها ، نقول : النبي لزمه الدور.
وإنه محال.
ثم نقول : الإشكال الذي ذكرتم إنما يلزم لو حكم الله بأفعال العباد حكما مطلقا. وهذا
ممنوع. بل عندنا : أنه تعالى يحكم بها مشروطا ، فيقول : إن صدرت الطاعة عن «زيد»
دخل الجنة ، وإن صدرت المعصية عنه دخل النار. وإذا كان هذا الحكم مشروطا ، لم يلزم
من تغير فعل العبد : تغير علم الله ، وتغير حكمه.
__________________