وأفعال العباد موجودة في ذواتهم ، وذواتهم موجودة في الأرض. والموجود في الموجود في الشيء ، موجود في الشيء. فصح أن أفعال العباد موجودة في الأرض. فقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) يدل على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد.
فإن قيل : أهل اللغة نصوا على أن كلمة «في» للظرفية. وإنما يدخل في هذه الآية : ما يكون حاصلا في الأرض ، حصول المظروف في الظرف. وهي الأشياء المودعة في الأرض. كالحيوانات والجمادات. أما أفعال العباد ، فهي أعراض ، ولا حصول لها في الأرض ، على وفق حصول المظروف في الظرف ، بل على وفق حصول العرض في المحل.
سلمنا : أن كلمة «في» تتناول ما يحصل في الشيء ، حصول الدرّة في الحقّة. وما يحصل في الشيء حصول العرض في المحل. إلا أن هذين المعنيين معنيان مختلفان بالماهية ، فكان لفظ «في» بالنسبة إلى هذين المفهومين ، لفظا مشتركا. وحمل اللفظ المشترك على كل مفهوميه غير جائز. فلم كان حمله على ما ذكرتم أولى من حمله على ما ذكرنا؟ وعليكم الترجيح. بل ما ذكرناه أولى. ويدل عليه وجوه :
الأول : إن اللام في قوله «لكم» لعود المنفعة. وهذا لا يطرد في الكفر والفسوق والعصيان ، لأنها غير نافعة للعباد ، بل ضارة لهم.
الثاني : إن قوله : (خَلَقَ لَكُمْ) يقتضي أن تلك الأشياء صارت مخلوقة ، وحصل الفراغ منها ، وأفعال العباد ليست كذلك.
الثالث : إن قوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) يقتضي كون كل واحد من هذه المخلوقات مخلوقا لكل أحد. وأفعال العباد ليست كذلك. لأنه لا انتفاء بكل واحد منها إلا لفاعله فقط. والله أعلم.
والجواب :
إن كلمة «في» مستعملة في قولنا : الماء في الكوز ، وفي قولنا : العرض