باقتضاء الفعل ، لامتنع أن يكون للداعية أثر في اقتضاء الفعل. وبيان أن الداعية قد يكون لها أثر في الترجيح : أن ذلك معلوم بالضرورة ، فإنا نعلم بالضرورة ، أنا قد ندفع الدرهم إلى الفقير ، لعلمنا بفقره ، ونعلم بالضرورة أنه لو لا هذا الاعتقاد لما دفعنا ذلك الدرهم إليه ، فيثبت أنه لو كانت القادرية مستقلة باقتضاء الترجيح لامتنع أن يكون للداعية أثر في الترجيح ، وثبت أن هذا اللازم باطل ، فوجب أن يكون الملزوم باطلا.
الحجة الخامسة : إن الواحد منا إذا خرج من بيته وذهب إلى زيارة صديق له ، فإذا خطر بباله في أثناء الطريق أنه حصل له مهم في بيته يقتضي رجوعه إلى البيت ، فإذا تقابلت هاتان الداعيتان (وتساوتا ، ولم يحصل لأحد الجانبين رجحان على الآخر ، فإن ذلك الإنسان) (١) يبقى في ذلك المكان ولا يمكنه أن يتحرك إلى أحد الجانبين ، إلا إذا حصل في خياله رجحان لأحد الجانبين على الآخر فإنه عند ذلك الخيال فإنه عند ذلك الخيال يتحرك إلى ذلك الجانب. وإذا كان هذا المعنى مما يجده كل أحد من نفسه ، علمنا أنه ما لم يحصل المرجح في الخيال والعقل فإنه يمتنع حصول الرجحان.
وأيضا : إذا خيّر الإنسان بين شرب أحد القدحين ، وأكل أحد الرغيفين ، فإنه ما لم يتأمل في أنه يأخذ هذا ، أو ذاك ويأكل هذا أو ذاك ، فإنه لا يصدر عنه أحدهما ، ولو لا أنه لا بد من الترجيح ، لما حصل ذلك القدر من التوقف.
وأيضا : فإن الله تعالى لما خير المكلف في باب الكفارات بين الخصال الثلاثة فالمكلف ، لا يقدم على واحد منها بعينه إلّا إذا تفكر وتأمل في أن أيها أسهل عليه ، وأيها أصعب (٢) عليه ، ولو لا أن الرجحان يتوقف على حصول المرجح من بعض الوجوه ، لما كان الأمر كذلك (فيثبت أن العلم بتوقف هذا الرجحان على المرجح علم ضروري) (٣).
__________________
(١) من (م).
(٢) لا تعب (س).
(٣) من (م).