وقال مولانا الداعي إلى الله ـ رحمهالله عليه ـ (١) هذان الجوابان ضعيفان جدا.
أما الأول : فلأن الداعي لفعل التفضل لما كان بالنسبة إلى الشخصين على التساوي، ولو ترجح أحدهما على الآخر لحصل الرجحان من غير المرجح. وهو محال. على ما بيناه في باب الدواعي والصوارف ، فإن حصول الفعل بدون الداعي محال. وهذا بخلاف الحال في الشاهد لأنه إذا تفضل على فقير فإنه لا يلزم أن يتفضل على الفقير الآخر ، لأجل أن الفعل في المرة الثانية يكون أشق ، أو لأن خوف الفقر يمنعه عنه ، أو لأجل أنه إنما أعطى الفقير الأول ، لا لفقره فقط ، بل لفقره ، مع قرابته أو مع صداقته. وهذا المجموع غير حاصل في الفقير الثاني. أما في حق الله تعالى فالداعي ليس إلا التفضل. وقد استوى الشخصان فيه ، ولا تفاوت أصلا ، فحينئذ يمتنع تخصيص أحدهما بذلك التفضل دون الثاني. وهذا هو صريح قول أبي الحسين من أن الفعل بدون الداعية المرجحة محال.
وأيضا : فإذا جاز حصول الترجيح لا لمرجح البتة ، فحينئذ لا يمكن الاستدلال بحدوث شيء ، ولا بقدمه على اشتماله على مصلحة أوجبت ذلك التخصيص ، وحينئذ يبطل القول بتعليل أفعال الله وأحكامه بالمصالح. ونحن لا نطلب في هذا المقام إلا هذا المعنى.
وأما الجواب الثاني فهو أيضا في غاية الضعف لأن البلوغ والتكليف لا يوجبان المفسدة لذاتيهما ، بل الغاية القصوى فيهما : أن الله تعالى علم أنهما لو حصلا لاختار (إنسان عند حصولهما فعلا حسنا ، واختار) (٢) إنسان آخر عند حصولهما فعلا قبيحا ، وإن كان هذا القدر يصلح مانعا لله تعالى عن الفعل ، فعلمه بأن هذا الشخص لو بلغ وكلف ، لاختار الكفر ، وجب أن يصير مانعا لله ـ تعالى ـ عن خلقه ، وإن لم يصر هذا مانعا ، فكذلك ما ذكرتموه أيضا يجب
__________________
(١) من (م).
(٢) زيادة.