وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : إنه تعالى إنما أحدث العالم لنفع عائد إلى المخلوق فهذا أيضا : باطل. ويدل عليه وجوه :
الأول : إنه ما كان في العدم شيء يحتاج إلى شيء حتى يكون الإيجاد إحسانا إليه ، بل نقول : إن ذلك يوجب الدور ، لأنه لا يصير المخلوق موجودا إلا بإيجاد الخالق ، ولا يحصل إيجاد الخالق إلا إذا كان إحسانا ، ولا يكون إحسانا إلا إذا كان ذلك المخلوق موجودا ، حتى يكون ذلك الإيجاد إحسانا إليه ، فيثبت أن هذا يوجب الدور. وأنه محال.
والثاني : إن الإحسان لا يكون إحسانا إلا إذا كان مسبوقا بحصول الحاجة والشهوة فيتقابل هذا النفع بذلك الضرر السابق ، وذلك يقدح في كونه إحسانا. وقد سبق تقرير هذا الكلام بالاستقصاء.
والثالث : وهو أن ذلك الإحسان إما أن يحصل في الدنيا ، أو في الآخرة. أما في الدنيا فباطل. لأنها دار البلاء والشقاء والغموم والهموم ، وحصول الأخلاف (١) المؤذية كالحرص والحاجة. وأما في الآخرة فالأكثرون هم الكفار وهم (٢) أهل العذاب الدائم.
وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : إنه تعالى خلق الخلق لا لنفع أصلا :
فهذا عبث ، وهو قبيح في العقول.
فيثبت بما ذكرنا : أن حكم العقل في التحسين والتقبيح لو كان معتبرا في أفعال الله وفي أحكامه لقبح من الله الخلق ، وحيث لم يكن كذلك ، علمنا أنه باطل. والله أعلم.
الحجة الثالثة : لو كان حكم العقل بالتحسين معتبرا في أفعال الله تعالى ، وفي أفعاله لقبح من الله أن يقول للعبد : إن فعلت الفعل الفلاني أو تركت الفعل الفلاني عاقبتك. وبالاتفاق هذا لا يقبح ، فوجب أن يكون العقل
__________________
(١) الأخلاق (س).
(٢) وهم (س).