بيان الشرطية من وجهين :
الأول : إن تحصيل معرفة الله عمل شاق على العبد ، ولا يحصل منه نفع ، لا للشاكر ولا للمشكور ، وما كان كذلك كان الأمر به قبيحا ، بمقتضى تحسين العقل وتقبيحه. ينتج: أنه لو كان حكم عقولنا معتبرا في حق الله تعالى لوجب أن يقبح من الله أن يأمر عباده بمعرفته وطاعته.
وهذا الكلام مبني على مقدمات :
المقدمة الأولى : في بيان أن تحصيل معرفة الله شاق : وبيانه من وجهين : الأول : لا شك أن تحصيل معرفة الله لا يتم إلا بالاستدلال ، ولا شك أن الاستدلال طريق صعب ، ولذلك فإن أكثر أهل العالم زاغوا وضلوا إلا القليل. ومن خاص في العلوم الإلهية علم ما فيها من الصعوبة والشدة. والثاني : إن بتقدير أن (١) يضل الطالب بهذا العلم يستوجب العذاب العظيم الدائم ، ثم رأينا أن الأكثرين يضلون ويكفرون. وذلك يدل على أن الخطر شديد في هذا العلم.
المقدمة الثانية : في بيان أن المشكور لا ينتفع بهذا الشكر والطاعة : والأمر فيه ظاهر، لأن المعبود متعالى عن النفع والضر ، والغم والسرور. وبهذا الحرف يظهر الفرق بين شكر المنعم في الشاهد ، وبين شكره في حق الله تعالى. لأن الواحد منا إذا أنعم على غيره ، فإن أقدم المنعم عليه على شكر ذلك المنعم ، فرح المنعم بذلك الشكر ، وحصل في قلبه لذة عظيمة وسرور ، وإن أعرض عن شكره حصل في قلبه الحزن والغم والضرر ، ولما كانت هذه الأمور ممتنعة في حق الله تعالى ، فقد ظهر الفرق.
المقدمة الثالثة : في بيان أن الشاكر لا ينتفع بهذا الشكر والعبادة : والدليل عليه : إنا قد بينا أنه لا معنى للمنفعة إلا اللذة والسرور ، أو دفع الألم
__________________
(١) الثاني أن يضل (م).