والقسم الثاني : وهو أن المقتضي لحصول تلك المصلحة لازم من لوازم ذلك الوقت ، فهذا أيضا باطل ، لعين تلك الدلائل الثلاثة.
وأما القسم الثالث : وهو أن ذلك الوقت اختص بتلك الخاصية لا لذاته ، ولا لشيء من لوازم ذاته ، فحينئذ وجب القطع بأن الفاعل المختار اختص ذلك الوقت بتلك الخاصية المعينة ، وإن كان ذلك لخاصية أخرى عاد التقسيم الأول فيه ، ولزم التسلسل ، وهو محال ، فيثبت (١) أن بتقدير أن يكون العالم محدثا فإنه يجب الاعتراف بأن الفاعل المختار خصص إحداثه بذلك الوقت المعين من غير رعاية حكمة ولا مصلحة ، فيكون ذلك محض العبث ، وهو قبيح في العقول ، فيثبت بهذا أن حكم العقل في التحسين والتقبيح لو كان معتبرا ، لزم القول بقدم العالم ، ويكون الإله موجبا بالذات ، لا فاعلا مختارا ، لكنا بينا : أن القول بالتحسين والتقبيح ، فرع على القول بإثبات الفاعل المختار ، وكل فرع أوجب فساد الأصل كان باطلا ، فوجب أن يكون القول بالتحسين والتقبيح باطلا في أحكام الله.
واعلم. أن هذا الدليل الذي ذكرناه عائد في حدوث كل واحد من الحوادث في وقته المعين ، وفي اختصاص كل واحدة من الذوات بصفته المعينة ، وبمقداره المعين ، وبحيزه المعين. فإنا نقول : اختصاصه بتلك الخاصية (٢) إما أن يكون لخاصية في ذلك الوقت ، أو لشيء من لوازم ذلك الوقت ، أو لشيء من عوارض ذلك الوقت ، وحينئذ يعود التقسيم بتمامه. وهذا الدليل في الحقيقة ليس دليلا واحدا ، بل هو دلائل لا نهاية لها بحسب حدوث كل حادث يحدث إلى الأبد الذي لا آخر له.
الحجة الرابعة : نقول : لو كان حكم العقل في التحسين والتقبيح معتبرا ، لصح من الله تكليف عباده بمعرفته ، وبالثناء عليه ، وبالشكر لنعمه. وهذا باطل ، فذاك باطل.
__________________
(١) من (س).
(٢) الخاصية (ت). الحالة (س).