يغصب من إنسان دينارا (ثم يعطيه دينارا) (١) آخر. وإنه على هذا التقدير لا يكون ذلك إنعاما ، بل يكون محض العبث ، فيثبت أن القبح العقلي لو كان معتبرا في حق الله تعالى ، لوجب القطع بأنه تعالى غير منعم على أحد من عبيده ، بل كان يلزم أن يكون عابثا في كل ما فعل وخلق ، ولما أجمع أهل الملل على أنه تعالى حكيم في فعله ، منعم على عبيده ، علمنا أن حكم العقل على الله تعالى بالحسن والقبح باطل (٢) والله أعلم (٣).
فإن قيل : الشرطية ممنوعة وهي قوله (٤) : أن لا تكون النعمة نعمة ، إلا إذا كان المنعم عليه محتاجا إليها مشتهيا لها ، والحاجة والشهوة ضررهما من فعل الله ـ سبحانه ـ فنقول : لا نزاع في أنه ما لم يكن الحيوان محتاجا إلى الشيء ومشتهيا له ، لم يكن إيصال ذلك الشيء إليه نعمة في حقه. لكن لم قلت : إن الحاجة إلى الشيء والشهوة ضرر؟ وما الدليل على أن الأمر كذلك؟ سلمنا أنه ضرر ، ولكن لم قلتم : إن ذلك الضرر حاصل بتخليق الله تعالى؟ وما الدليل عليه؟ وتقريره : أن كون الإنسان محتاجا إلى الشيء وصف لازم لذاته ولماهيته ، ولما كان الأمر كذلك لم يكن حصوله بسبب جعل الجاعل وفعل الفاعل ، كما أن كون الأربعة زوجا ، وكون الثلاثة فردا ، ليس بسبب الجعل والخلق والتكوين. سلمنا أن الحاجة إلى الشيء والشهوة له ، إنما حصل بتخليق الله تعالى وإيجاده. فلم قلتم : إن على هذا التقدير يكون إيصال النعمة إليه عبثا؟ وتقريره : أن هذا العبث إنما يلزم إذا قلنا : إنه تعالى لا يوصل إليه النعمة إلا بقدر حاجته وشهوته. أما إذا قلنا : إنه تعالى خلق الحاجة والشهوة فيه. ثم إنه بعد ذلك أعطاه من المنافع ما يزيد على قدر حاجته أضعافا مضاعفة. فهذا يمنع من كونه عبثا. ومثاله : أن من أوصل دينارا من الغير إلى
__________________
(١) من (س).
(٢) قال الله تعالى : (شَهِدَ اللهُ : أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، وَالْمَلائِكَةُ ، وَأُولُوا الْعِلْمِ ، قائِماً بِالْقِسْطِ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران (١٨)].
(٣) من (م).
(٤) وأما قوله [الأصل].