وقال : (وَاللهُ الْغَنِيُّ ، وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (١) ولما ثبت أنه واجب الوجود لذاته ، قالوا : الواجب لذاته يمتنع أن يصير واجبا لغيره ، لأن عند فرض عدم ذلك الغير ـ إن بقي ـ لم يكن واجبا بغيره ، وإن لم يبق لم يكن واجبا لذاته ، وكل ذلك محال. فإذن الواجب بذاته لا تعلق له بغيره البتة ، وكل ما سواه فهو يحتاج إليه في ماهيته ، وفي وجوده ، وفي صفاته. فظهر بهذا البيان : أنه سبحانه هو الغني ، وكل ما سواه فهو فقير وغني بإغناء الله.
الاسم الرابع عشر : القيوم قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) (٢) وقال : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) (٣) وقرأ عمر بن الخطاب : «الحي القيام» واعلم أن القيوم مبالغة في القيام ، وكمال هذا المعنى إنما يحصل عند اجتماع أمرين : أحدهما : قيامه بذاته ، كما قال : (قائِماً بِالْقِسْطِ) (٤) بمعنى استغنائه عن كل ما سواه. والثاني : كونه قيما بغيره ، بمعنى كونه مقوما لغيره ، ومجموع هذين المعنيين هو القيوم. ولما دللنا على أن واجب الوجود واحد ، وثبت أن ما سواه فهو ممكن لذاته ، فلا بد له من مؤثر ، فكل ما سوى ذلك الواحد فهو مفتقر إليه فيثبت أنه تعالى قائم بذاته. مقوم لكل ما سواه ، فهو القيوم الحيّ بذاته ولذاته.
واعلم أن كونه قائما بذاته ، يقتضي أن يكون منزها عن جهات التركيب ولهذا الأصل لوازم :
الأول : إن واجب الوجود واحد ، إذ لو كان اثنين لاشتركا في الوجوب ، واختلفا في التعين ، فتحصل الكثرة في كل واحد منهما ، فلا يكون واجب الوجود فردا على الإطلاق(٥). الثاني : إنه لما كان فردا امتنع أن يكون متحيزا ،
__________________
(١) محمد (٣٨).
(٢) البقرة (٢٥٥).
(٣) طه (١١١).
(٤) آل عمران (١٨).
(٥) ما مر من قوله قصدت قصده إلى هنا من (م ، ت).