الفرع الثالث : إن قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) فيه ألفاظ ثلاثة من أسماء الله. وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات السيارين إلى الله. فالمقام الأول مقام المقربين (٢) وهو أعلى المقامات. وهؤلاء هم الذين نظروا إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي ، فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله ، لأن الحق واجب (الوجود) (٣) لذاته ، وما سواه ممكن والممكن إذا أخذ مع عدم السبب (٤) كان عدما محضا. فهؤلاء ما رأوا موجودا سوى الله ـ سبحانه ـ وقوله «هو» إشارة مطلقة ، والإشارة المطلقة تتعين (٥) بشرط أن يكون المشار إليه واحدا فقط. فلا جرم كان قولنا «هو» إشارة إلى الحق ـ سبحانه ـ ولم يفتقروا مع هذه اللفظة إلى ذكر صفة لذلك المشار إليه ، لأن الافتقار إلى المميز إنما يحصل حيث حصل هناك موجودات وقد بينا أن هؤلاء لم يشاهدوا بعيون عقولهم إلا موجودا واحدا ، فأدّى افتقارهم إلى ذكر المميز ، فلهذا السبب كانت لفظة «هو» كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء المقربين.
وأما المقام الثاني ـ فهو دون المقام الأول ـ وهو مقام أصحاب اليمين ، وذلك لأنهم شاهدوا مع الحق موجودا فحصلت في عقولهم كثرة في الموجودات ، فكلمة «هو» غير كافية في حق هؤلاء ، بل احتاجوا إلى صفة لكلمة «هو» باعتبارها يمتاز الحق عن غيره ، فقرن بلفظة «هو» لفظة «الله» فقيل مع هؤلاء : «هو الله».
والمقام الثالث : وهو مقام أصحاب الشمال ، وهو أضعف المقامات ، وهم الذين يجوزون أن يكون الإله أكثر من واحد فقيل لأجلهم : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إبطالا للشرك وتصريحا بالتوحيد.
وهاهنا بحث آخر على ما تقدم أن صفات الله تعالى إما أن تكون
__________________
(١) الإخلاص (١).
(٢) المقدسين (س).
(٣) من (س).
(٤) المتسبب (س).
(٥) من (م).