العلم إنما يحدث لأن الفاعل المختار يوجد هذا العلم بالقدرة والاختيار. ونحن لا نقول به ، بل نقول : ذاته المخصوصة موجبة للعلم بالشيء ، بشرط كون ذلك المعلوم واقعا على ذلك الوجه. فإذا وقع الشيء على الوجه الخاص كان شرط الاقتضاء حاصلا ، فتوجب الذات المخصوصة ذلك العلم المخصوص ، فإذا زال ذلك المعلوم فقد زال شرط الاقتضاء ، فيزول ذلك العلم. وعلى هذا التقدير فتلك الحجة باطلة ساقطة.
الحجة الثانية : قالوا : لو حدث ذلك العلم. فإما أن يحدث في ذات الله تعالى ، وإما أن يحدث في ذات أخرى. وإما أن يحدث لا في محل. والأقسام الثلاثة باطلة ، فكان القول بحدوث العلم باطلا. وإنما قلنا إنه يمتنع أن يحدث في ذات الله تعالى لأنه يلزم أن تكون ذات الله تعالى محلا للحوادث وأنه باطل. وإنما قلنا : إن القسمين الباقيين باطلان ، لأن كون الذات عالمة بكذا وكذا صفة لتلك الذات ، وحصول صفة الذات لا في تلك الذات : قول محال.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن نقول : إن تلك العلوم حدثت في ذات الله تعالى؟ قوله : «يلزم أن تكون ذاته محلا للحوادث». قلنا : إن أردتم بكونه محلا للحوادث حدوث هذه العلوم في ذاته ، فهذا إلزام للشيء على نفسه وأنه باطل.
الحجة الثالثة : أن يقال : كل صفة يشير العقل إليها ، فإما أن تكون ذات الله كافية في استلزامها ، أو تكون كافية في دفعها ، أو لا تكون كافية لا في استلزامها ولا في دفعها. فإن كان الأول وجب دوام تلك الصفة بدوام تلك الذات. وذلك يمنع من التغير ، وإن كان الثاني وجب دوام سلب تلك الصفة بدوام تلك الذات. وذلك أيضا يمنع من التغير. وإن كان الثالث (١) وهو أن لا تكون تلك الذات كافية في ثبوت تلك الصفة ولا في سلبها ، فحينئذ يلزم أن يكون ثبوت تلك الصفة وسلبها موقوف على شيء مغاير لتلك الذات. ومن
__________________
(١) هذا الغرض الثالث لا يصح في ذات الله.