نقول : إنا قد بينا أنه لو بقي هذا الاعتقاد إلا أنه لم يعلم أن النهار قد حضر ، فإنه لا يصير(١) بسبب ذلك الاعتقاد عالما بأنه قد دخل البلد في هذه الساعة ، فيثبت أن الصورة التي ذكروها من أدل الدلائل على صحة قولنا.
(وأما الجواب عن الشبهة الرابعة) (٢) : وهي قولهم : العلم صفة لها نسبة مخصوصة والمتغير هو النسبة ، لا تلك الصفة : فالكلام الذي تقدم ذكره يكشف عما فيه من المباحث. والله أعلم.
الفريق الثاني من المتكلمين الذين التزموا وقوع التغير في العلم : وقالوا : إنه إذا زال المعلوم يزول العلم به ، ويحدث علم آخر. قالوا : وتقرير هذا الكلام هو : أن تلك الذات المخصوصة موجبة للعلم بالمعلوم بشرط حصول ذلك المعلوم ، فإذا حصل ذلك المعلوم على ذلك الوجه ، فقد حصل شرط الاقتضاء ، فوجب لتلك الذات المخصوصة حصول العلم بذلك الشيء ، فإذا زال ذلك المعلوم فقد زال شرط ذلك الاقتضاء وحصل شرط علم آخر ، فلا جرم يزول العلم الأول ويحدث علم آخر. وهذا هو قول أبي الحسين البصري من علماء المعتزلة ، وهو قول جهم بن صفوان وهشام بن الحكم ، من القدماء.
وأما المتكلمون المتأخرون : فقد استدلوا على فساد هذا القول بوجوه :
الحجة الأولى : قالوا : هذا العلم لما حدث بعد أن لم يكن فلا بد (له من محدث وفاعل ومحدث ذلك العلم وفاعله لا بد) (٣) وأن يكون عالما به. لما بينا أن صدور الفعل المحكم عن الفاعل مشروط بكون ذلك الفاعل عالما. فيكون إحداث هذا العلم مشروطا بحصول علم آخر قبله. والكلام في ذلك العلم السابق ، كالكلام في هذا العلم وذلك يوجب التسلسل وهو محال. ولقائل أن يقول : هذه الحجة ضعيفة لأنكم رتبتم هذا الكلام على أن هذا
__________________
(١) يصير في (س).
(٢) من (ت).
(٣) من (م).