الأجسام على هذه الصفات المطابقة للمصالح ، بمجرد كونه قادرا من غير أن يعتبر في ذلك الفاعل القادر كونه عالما؟ والله أعلم (١).
السؤال الرابع : هب أنا سلمنا أن فاعل الأفعال المحكمة المتقنة يجب أن يكون له شعور وإدراك. فلم لا يكفي في صدور الأفعال المحكمة عنه كونه ظانا ، ولا يشترط فيه كونه عالما؟ والدليل على الاحتمال المذكور لازم : ذلك ، لأن أصحاب الحرف والصناعات إنما يأتون بتلك الأفاعيل بناء على الظنون والحسبانات وإلا فالآتي صنعة الكتابة ، كيف يمكنه تحصيل العلم اليقيني بأحوال رأس القلم. وبأحوال سطح الكاغذ. وبأحوال كمية المداد. وكيفيته. وبأحوال حركات الأصابع بحسب ما لها من الكمية والكيفية؟ وكل هذه الأحوال مجهولة عند ذلك الكاتب ، إلا أنه يظن ظنا غالبا أن هذه الآلات والأدوات موافقة لتحصيل الصنعة المطلوبة ، فيستعمل تلك الآلات في تلك الصنائع بناء على الظنون والحسبانات ، فتحصل تلك الصنائع ، فيثبت أن كل ما نشاهده في العالم من الصنائع المحكمة المتقنة. فإنه إنما يحصل بناء على الظنون والحسبانات ، ولا حاجة في تحصيل شيء منها إلى العلم الجازم الموصوف بالقطع واليقين. وإذا ثبت هذا فقد ظهر أن الاستدلال بالفعل المحكم المتقن على كون فاعله عالما في غاية الصعوبة.
فإن قالوا : إن صاحب الظن قد يخطئ وقد يغلط ، وقد يعجز عن تحصيل مطلوبه فنقول : لا نزاع في أن الأمر كما ذكرتم ، إلا أنا نرى الوجوه الكثيرة من النقائص والآفات والتشويهات الكثيرة في الخلقة حاصلة في تركيبات هذا العالم ، فلعل هذه الأحوال إنما حصلت لأن فاعلها إنما يركبها بناء على الظن والتخمين ، فتارة تقع على الوجه الصواب الموافق للحكمة والمصلحة ، وتارة تقع على الوجه المضطرب الفاسد وإذا كان الاحتمال قائما فعليكم أن تدلوا على أنه غير محتمل ، وعلى أنه باطل ، حتى يتم دليلكم في الاستدلال بالفعل المحكم المتقن على كون الفاعل عالما.
__________________
(١) والله أعلم (م).