ففي النصّ الأوّل كان شخص عليّ بن أبي طالب هو المعيار لمعرفـة المؤمـن مـن المنافق ، بخلاف الأنصار الذين يرجع حبّهم إلى ما فعلوه من نصـرتهم لنشـر الديـن الإسـلامي والسـعي في إيواء المسـلمين وقيامهـم في مهـمّات الديـن.
قال النووي في شرح مسلم (إنّ من عرف مرتبة الأنصار .... وعرف من عليّ ابن أبي طالب قربه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحبّ النبيّ له ، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه ثمّ أحب الأنصار وعليّاً لهذا ، كان ذلك من دلائل صحّة إيمانه وصدقه في إسلامه ، لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله ...) (١).
وكلام النووي كما تراه فيه غفلة عن الفرق الشاسع بين الأمر بحب عليّ عليهالسلام والأمر بحب الأنصار ، لأن حبّ عليّ عليهالسلام مطلوب بذاته ، بخلاف حبّ الأنصار فإنّه مطلوب لسوابقهم ، ويؤكد ذلك أنّ في الأنصار منافقين ومنحرفين وأصحاب ارتباطات باليهود ـ وإن كانت غالبيّتهم من أنصار الإمام عليّ عليهالسلام ومخالفين لقريش ـ فلا يعقل أن يكون حبّهم جميعاً لذواتهم ، وإنّما كان الحب لهم كمجموعة لها مواقف محمودة.
ومثل الإمام عليّ كانت الصدّيقة فاطمة الزهراء ، إذ علّق الباري عزّ وجلّ رضاه وغضبه على رضاها وغضبها ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنَّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (٢) ، فصار رضى فاطمة معياراً لرضى الله ، وهو دليل على نزاهتها المطلقة وعصمتها وطهارتها التامّة من كلّ ما يشين ، إذ لا يعقل تعلق رضى الله برضى إنسان غير معصوم.
__________________
(١) شرح مسلم ١ ـ ٢ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، كتاب الايمان / باب ٣٣.
(٢) المعجم الكبير ١ : ١٠٨ و ٢٢ : ٤٠١ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٤ ، الإصابة ٨ : ٢٦٦.