صرّح به الذكر الحكيم بقوله (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) لا (المودة للقربى) ، وفي هذا إيماء لطيف إلى أنّهم غير محتاجين إلى مودة الناس ، بل إنّ مودّتهم تؤدّي بالناس إلى الخير والصلاح ، لأنّ التودّد الذي تكون القربى ظرفاً له سيربطهم بالرسالة وصاحبها ارتباطاً وثيقاً ترجع خيراته إلى الناس ، وهو لطف من الله للبشر ، إذ جعل مودّة أهل بيتِ رسولِهِ سبباً لنجاتهم من الهلكة ، وهي من قبيل جعل حب الإمام عليّ وبغضه مقياساً لمعرفة المؤمن من المنافق ، وقد كان المنافقون من الصحابة يُعرَفُون ببغضهم لعليّ بن أبي طالب ، فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري قوله :
«إنّا كنّا نعرف المنافقين ـ نحن معاشَر الأنصار ـ ببغضهم عليّ بن أبي طالب» (١).
وورد عن عُبادة بن الصامت قوله : كنا نبور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب ، فإذا رأينا أحداً لا يحبّه علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشدة (٢).
وجاء عن ابن مسعود قوله : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب (٣).
إذاً كان عليّ بن أبي طالب محكًّا للأنصار ولغيرهم (٤) ، وهذا بخلاف قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأنصار (لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق) (٥).
__________________
(١) أُسد الغابة ٤ : ٣٠.
(٢) الغريبين للهروي ١ : ٢٢٢ مادة «بور» ، ذكر اول الحديث ، تاج العروس ٣ : ٦١ مادة (بور) ، وغيرهما.
(٣) الدر المنثور ٦ : ٦٦.
(٤) ومن هنا أنشأت عائشة تقول في حق علي عليهالسلام :
إذا ما التِّبــر حُـكّ عـلى محكٍّ |
|
تبيـّن غشّـــه من غير شكِّ |
وفينا التبر والـذهب المصفّى |
|
عليّ بينـــنا شـــبه المَـــحكِّ |
الكنز المدفون للسيوطي : ٦٨.
(٥) صحيح مسلم ١ : ٨٥ ح ١٢٩ كتاب الايمان.