عمل الصحابة في المورد المشار إليه ، فليس لنا إشكال في أصل هذا الكلام
والمبنى ، لكن فيه على أهل السنّة إيرادان : نقضيّ وحلّي ؛ إذ أنك ترى أهل السنّة
يتّبعون عمل الصحابة ويجعلونه معياراً لهم في الأحكام الفقهيّة ، ولكنّهم اتّخذوا
موقفاً مضادّاً لمنهجيّتهم الفقهيّة في مسألة «حيّ على خير العمل» على الرغم من
دعم عمل الصحابة فيها بالنصوص الكثيرة الصريحة والشـواهد التاريخـيّة المؤيّـدة
لها.
فعلى الرغم من
التزام الصحابة بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم ، وعلى رغم كثرة الروايات التي
تؤكّد شرعيّتها ، ترى بعضهم يستثنون حكم هذه المسألة على ضوء طريقتهم فيقولون : الحجّة
ـ في هذه المسألة بالذات ـ عمل النبيّ الأعظم وليس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بينهم
مَن يقول بأنَّ (فعل الصحابيّ يخصّص القرآن) .. وهذا تناقض واضح وصريح من جانبهم!
بينما تراهم في
حين آخر يقولون بأنّ فعل الصحابيّ هو علامة أو انعكاس لفعل النبيّ الأكرم ، ولمّا
كان ثمّـة خـلاف بين فقه عليّ عليهالسلام وفقه عمر ، وبين ابن عمر وعمر نفسه ، وبين الصحابة
الآخرين فيما بينهم أيضاً ، فإنّ هذا مؤشر يدلّ دلالة واضحة على وجود مذهبين
مختلفين : أحدهما يتبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والنصوص الواردة ، والآخر يعطي لنفسه الاجتهاد ، ويتعبد
بسيرة الشيخين وإن خالفت سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولو نقّبت في
الكتب وتتبّعت أقوال المورخين في ابن عمر لوقفت على أنّ المشهور عندهم أنّه كان
يتحرّى آثار النبيّ الأكرم ، وقد سُطِّرَتْ في كتاب «منع تدوين الحديث» ثمان
وثلاثون حالة اختلف فيها عبدالله بن عمـر مع أبيه.
إذ كان ابن عمر
في أغلبها يحاول اتّباع سنّة رسول الله ، لكنّ عمر لم يأبه بكلام ابنه ، ملتزماً
برأيه ، عاملاً بالقياس أو الاستحسان وما شابه ذلك ..
__________________