بَعده وقد تحلّى بسوابق جهاديّةٍ وإيمانيّةٍ مشرقةٍ ، وتمتّع بإيمانٍ ، وصدقٍ ، وثباتٍ في سبيل الإسلام ، فوّت الفرصة على المعارضين لرسالته وخيَّب آمالهم ، وأبدلها باليأس والقنوط ، وبهذا ضَمِنَ بقاء الدين ، ورسّخ قوائِمه وقواعده ، وأكملَ اللهُ بتعيين القائدِ والخليفةِ نعمة الإسلام ، ولهذا نزل قول الله تعالى ـ بعد نصبِ عليٍّ عليهالسلام لخلافةِ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يومَ «غدير خم» ـ :
(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١). (٢)
__________________
(١). المائدة / ٣
(٢). ولقد اعتبرَ فريقٌ من الصّحابة والتابعين الآية المذكورة مرتبطةً بواقعة «غدير خم» وذلك مثل : أبي سعيد الخدري ، وزيد بن الأرقم ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي هريرة ، ومجاهد المكي. وللوقوف على روايات الأشخاص المذكورين حول الواقعة المذكورة راجع : كتاب «الولاية» لأبي جعفر الطبري ، والحافظ ابن مردويه الاصفهاني برواية ابن كثير في ج ٢ ، من تفسيره ؛ والحافظ أبا نعيم في كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ» والخطيب البغدادي في ج ٨ من تاريخه ، والحافظ أبا سعيد السجستاني في كتاب «الولاية» والحافظ أبا القاسم الحسكاني في «شواهد التنزيل» ، وابن عساكر الشافعي برواية السيوطي في «الدر المنثور» ٢ / ٢٩٥ ، والخطيب الخوارزمي في كتاب «المناقب». وعباراتهم موجودة في الغدير ١ / ٢٣ ـ ٢٣٦.
وقال الفخر الرازي في تفسيره (ج ٣ ص ٥٢٩) إنه لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعَمِّر بعدَ نُزولها إلّا أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين يوماً وَلَم يَحْصَل في الشريعةِ بَعدها زِيادة ولا نَسخٌ ، وَلا تبديلُ البتّةَ.
فعلى هذا الأساس لا بُدّ مِنَ القول أنَّ هذه الآية نَزَلت يوم غدير خم. أي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع. وحيثُ إنّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حسبَ رأي أهلِ السُّنّة توفي في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، وكانت الأشهر الثلاثة (ذي الحجة ، ومحرّم وصفر) ٢٩ يوماً صح أنّه توفي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نُزُول الآية المذكورة ب ٨١ يوماً (تفسير الفخر الرازي سورة المائدة ، الآية الثالثة).