في عصر نزول القرآن الكريم كان أوّلُ ما سَحَر عيونَ العرب ، وحيّر أرباب البلاغة والفصاحة منهم جمالُ كلمات القرآن ، وعجيبُ تركيبه ، وتفوّقُ بيانه ، الذي يُعبَّر عن ذلك كله بالفصاحةِ والبلاغة.
إنّ هذه الخصُوصية كانت بارزةً ومشهودةً للعرب يومذاك بصورةٍ كاملةٍ ، ومن هنا كان رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتلاوة آيات الكتاب ، مرةً بعد أُخرى ، وبدعوته المكرّرة إلى مقابلته والإتيان بمثله إن استطاعوا ـ يدفع عمالقة اللغة والأدب ، وأبطال الشعر وروّاده ، إلى الخضوع أمام القرآن ، والرضوخ لعظمة الإسلام ، والاعتراف بكون الكلام القرآنيّ فوق كلامِ البشر.
فها هو «الوليد بن المغيرة» أحد كبار الشعراء والبلغاء في قريش يقول ـ بعد انْ سمع آياتٍ من القرآنِ الكريمِ تلاها عليه رسولُ الإسلام ، وطُلب منه أنْ يبدي رأيه فيها : «وَوالله إنّ لِقَوله الّذي يقولُ لَحلاوةً ، وإنّ عليه لطَلاوةً ، وإنّه لَمُثْمرٌ أَعلاهُ ، مُغدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى» (١).
وليس «الوليدُ بن المغيرة» هو الشخص الوحيدُ الذي يحني رأسه إجلالاً لجمال القرآن الظاهري ، ولجلاله المعنوي ، بل ثمة بلغاء غيره من العرب مثل : «عتبة بنِ ربيعة» و «الطفيلِ بن عمرو» أَبدَوا كذلك عجزَهم تجاه القرآن ، واعترَفُوا بإعجاز القرآن الأدَبي.
على أنّ العَرَب الجاهليين نَظَراً لِتَدَنّي مستوى ثقافتهم لم يُدرِكوا من القرآن الكريم إلّا هذا الجانبَ ، ولكن عند ما أشرقت شمسُ الإسلام على
__________________
(١). مستدرك الحاكم ٢ / ٥٠.