الثاني : أنّ الأخذ بالظّن أخذ بالطرف الراجح ، والأخذ بالوهم أخذ بالطرف المرجوح وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، ينتج وجوب العمل والأخذ بالظنّ.
والجواب يبتني على تقديم مقدّمة وهي أنّ هنا أمران : الترجيح بلا مرجّح ، وترجيح المرجوح على الراجح ، فالأوّل يمكن دعوى عدم استحالته بأنّه يمكن أن تكون نفس الإرادة مرجّحا ، فالممتنع هو الترجيح بلا مرجّح ، وأمّا الترجيح فلا.
وأمّا الثاني فله معنيان ، أحدهما محال ، والآخر قبيح.
فالأوّل : ترجيح الراجح بالنظر إلى أغراض الفاعل على المرجوح بالنظر إليها ، فإنّه يتحقّق بحسب الأغراض الفاعليّة راجح ومرجوح ، مثلا لو كان غرض الفاعل رفع العطش عن نفسه ولم يكن له غرض آخر أصلا ، والحاصل كان الغرض العملي الحاصل له بعد الكسر والانكسار بين جميع الجهات وملاحظة تمام المزاحمات هو رفع العطش ، وكان هناك ماء بارد رافع للعطش ، وماء آخر حارّ إمّا غير رافع له وإمّا مزيد له وإمّا رافع لقدر قليل منه، فحينئذ لا يعقل من فاعل أن يرجّح هذا الثاني ، فإنّه نقض للغرض وهو محال أن يصدر من فاعل عاقلا كان أم غيره.
والثاني : أن يؤخذ الراجح والمرجوح بملاحظة القواعد العقليّة وبالنظر إلى الحسن والقبح الفعليين ، مثلا لو صار نصب الإمام واجبا بحكم العقل على الرعيّة ، وتردّد الأمر بين من كان أعلم ومن كان غير أعلم ، فالراجح هو ما كان أقرب بالغرض العقلائي وهو نصب الأعلم ، والمرجوح ما كان أبعد منه في النظر ، فتقديمه وترجيحه قبيح عقلا وليس بمحال ؛ لإمكان أن يصير الأبعد من الغرض العقلائي أقرب من الغرض النفساني وأشدّ ملائمة بنفس الفاعل والمقدم.
وما حكي عن الأشعري من تجويزه ترجيح المرجوح على الراجح لا بدّ من حمله على المعنى الثاني ، فإنّه لإنكاره الحسن والقبح لا يرى المرجوح مرجوحا والراجح راجحا ، بل يزعم أنّه متى حصل الملاءمة للنفس في جانب المرجوح دون