كلاهما في الواقع نجسا فشرب أحدهما وترك الآخر يستحقّ العقاب على شرب هذا الواحد لمكان العلم الإجمالي الذي هو الحجّة على التكليف.
لا يقال : فيلزم أن يكون الشارب لكليهما في هذا المثال مستحقّا لعقوبتين مع أنّه واضح البطلان ، فإنّ العقاب على مقدار علمه وهو تكليف واحد.
لأنّا نقول : بل لا يلزم إلّا استحقاقه لعقاب واحد على مخالفة التكليف الواحد المعلوم إجمالا ، ولكن هذا التكليف الواحد الذي يعاقب على مخالفته ليس له علامة ، فلا يمكن تعيينه في خصوص هذا النجس ولا في ذاك ، فنقول : لا فرق بين صورة ارتكاب الجميع وبين ارتكاب أحد الطرفين وترك الآخر في أنّه يصدق أنّه خالف تكليفا واحدا مع كون حجّة المولى عليه تماما ، غاية الأمر أنّه في الصورة الثانية صدر منه موافقة تكليف واحد أيضا.
ووجهه ما ذكرنا من أنّ العلم الإجمالي صار حجّة على تكليف واحد ، وهذا التكليف بلا علامة يصدق على كلّ من الطرفين ، فلا يمكن أن يقال : إنّه خصوص هذا الذي حصل موافقته ، فيكون الآخر الذي حصل مخالفته بلا حجّة ، فيكون العقاب عليه قبيحا ، بل من الواضح بطلان هذا وصحّة العقاب على مخالفة الواحد الذي شرب ، وهذا دليل على أنّ المطلوب في باب العلم الإجمالي عدم المخالفة لا الموافقة ، ومعه فقد عرفت أنّه لا محيص عن الوجه الأخير من الأوجه الثلاثة ، فيكون نتيجة المقدّمات تبعيض الاحتياط دون حجيّة الظن ، نعم يكون الظنّ الاطمئناني بعدم التكليف حجّة على هذا.
الامر الثاني : عرفت أنّ نتيجة دليل الانسداد إمّا حجيّة كلّ ظنّ ، وإمّا حجيّة الظنّ بمقدار العدد المتيقّن من التكاليف المعلومة بالإجمال ، وإمّا حجيّة الظنون الاطمئنانيّة النافية للتكليف ، وعرفت أنّ الأقوى هو الأخير ، فهل الظنّ الذي يثبت حجيّته بمقدّمات الانسداد أيّا من هذه الثلاثة؟ كان هو خصوص الظنون المتعلّقة بالواقع ، أو خصوص الظنون المتعلّقة بالطريق ـ كما اختاره صاحب الفصول و