ليس بأعظم منها
قطعا ، فيمكن خلوّه أيضا منها ولو نادرا ، وهذه يكفي في عدم كونه قبيحا ، يعني أنّ
الفعل الخارجي المتجرّى به من حيث هو لا يكون قبيحا عقليّا ، وما يكون موضوعا لذلك
هو شيء آخر أعني عنوان الاستخفاف ، نعم يكون غالب الانطباق على الفعل المتجرّى به
، كما يمكن انطباقه على غيره أيضا كالمباحات ، كما لو جعل أحد مباحا شرعيّا محرّما
على نفسه من باب الاستخفاف بإباحة المولى ، وبالجملة نحن نتكلّم من حيث التجرّي ،
وحيث الاستخفاف أمر آخر وراء التجرّي.
فإن قلت : فعلى
هذا يلزم عدم قبح المعصية في الحقيقة أيضا ، لإمكان انفكاك هذه العناوين عنه.
قلت : نعم قد
ينفكّ هذه عنها ، لكن عنوان الظلم ينطبق عليها دائما وهذا مفقود في مورد التجرّي ؛
إذ فيه لا يلزم مخالفة أمر من أوامر المولى وتضييع غرض من أغراضه بخلاف المعصية
الحقيقيّة ؛ فإنّها غير منفكّة عن ذلك ، فتحصّل من جميع ما ذكرنا إلى هنا أنّ
الفعل الخارجي المتجرّى به ليس محرّما شرعيّا ولا قبيحا عقليّا ، ومن ذلك يظهر
أنّه ليس ممّا يستحقّ عليه العقاب أيضا.
بقي الكلام في
أفعال النفس التي يكون الفعل الخارجي الاختياري مسبوقا بها أبدا ، فلا بدّ من
استقصاء تلك الأفعال.
فنقول : إنّ من
يعزم على فعل خارجي يحصل أوّلا في ذهنه تصوّر هذا الفعل بماله من الفوائد والمنافع
، ثمّ يحصل له عند هذا ميل إليه ، ثمّ يحصل في الذهن تصوّر مضارّه المترتّبة عليه
، ويقع بين هذه المضار وتلك الفائدة والمنفعة كسر وانكسار في النفس ، فإن غلبت
فائدته يصير الميل في طرف الفعل ثابتا فقط ، وبعد ذلك يتحقق العزم والإرادة نحو
الفعل.
ومن الواضح أنّ
شيئا من هذه المذكورات التي هي مقدّمات للإرادة والعزم ليس باختياري ، لا تصوّر
نفس الفعل ، ولا تصوّر منافعه ، ولا الميل ، ولا تصوّر مضارّه ، ولا الكسر
والانكسار وتحقّق الميل نحو الفعل محضا ، بل كلّ ذلك امور قهريّة يحصل بعضها عقيب
بعض ، نعم قد يمكن أن يكون نفس تصوّر الفعل اختياريّا