فالأوّل هو الأوّلان ، والثاني هو الرابع ، فإنّ التجرّي الاصطلاحي مأخوذ فيه عدم إصابة القطع للواقع وهو خارج عن اختيار المكلّف وقصده ؛ فإنّ المتجرّي قاطع بخلاف هذا العنوان أعني ارتكاب ما قطع خمريّته ولم يكن واقعا خمرا ولا يحتمل ذلك ، فكيف يكون قاصدا له.
وأمّا الثالث فهو الاثنان الآخران ؛ فإنّ ارتكاب مقطوع الحرمة أو شرب مقطوع الخمريّة أو الحرمة ـ بحيث كان القطع جزء الموضوع ـ مقدور ويصح توجّه القصد إليه بأن كان القاطع ملتفتا إلى قطعه وناظرا إليه استقلالا وموضوعا ثمّ انقدح في نفسه القصد إلى الفعل بعنوان أنّه شرب مقطوع الخمريّة لا بعنوان أنّه شرب الخمر ، لكن لا يمكن النهي المولوي عنه ؛ لما مرّ في الأمر الأوّل من عدم إمكان تعلّق النهي المولوي بعنوان المخالفة والأمر المولوي بعنوان الإطاعة ؛ فإنّ القاطع بكون المائع خمرا يتحقّق في حقّه عنوان المخالفة ، فالنهي عن ارتكاب مقطوع الحرمة راجع إلى النهي عن مخالفة خطاب لا تشرب الخمر ، وقد عرفت أنّ الردع المولوي لا يمكن تعلّقه بهذا المعنى.
وبعبارة اخرى : من يقطع بحرمة الخمر وخمريّة المائع يكون قاطعا بوجود خطاب لا تشرب بالنسبة إليه ومع التفاته إلى هذا النهي ، فالنهي الثاني عن ارتكاب مقطوع الخمريّة في حقّه لا يمكن أن يفيد في حقّه فائدة الأمر المولوي ببيان تقدّم في الأمر بالإطاعة. نعم يمكن ذلك لو لم يكن نفس الخمر بواقعه حراما ، وهذا خلاف الفرض ؛ لعدم تحقّق التجرّي معه ، هذا.
وربّما يتوهّم عدم تصوّر فعل اختياري في حقّ المتجرّي بالمرّة وينفى الحرمة الشرعيّة عن فعله من هذه الجهة ببيان أنّ من شرب الماء باعتقاد أنّه خمر فعنوان شرب الماء وإن صدر منه لكن ما قصده ، وعنوان شرب الخمر وإن قصده لكن ما صدر منه ، وأمّا عنوان شرب المائع الذي هو الجامع بين ما صدر وما قصد فهو أيضا ما قصد ؛ لأنّ الفرض تعلّق القصد بخصوص فرد من هذا الجامع وهو شرب الخمر ، والقصد إلى خصوص الخاص ليس قصدا للعام.