وحينئذ لا يخلو
العبد من ثلاثة أحوال : إمّا يكون بحيث يتأثّر بنفس الأمر الأوّل ويتحرّك نحو
العمل بداعويّته ، أو يكون بحيث لا يتأثّر نفسه من أمر المولى أصلا ، أو يكون بحيث
يتحمّل معصية أمر واحد ويتحمّل لعقاب مخالفة أمر واحد ولكن لا يحضر نفسه لتحمّل
عقابين لمخالفة أمرين ، فالامر الواحد لا يحرّكه ولكنّه بضميمة أمر آخر يصير
محرّكا له على نحو الشركة ، ولا رابع لهذه الثلاثة.
فعلى الأوّلين
يلزم عدم تأثير الأمر بعنوان الإطاعة رأسا وكون تمام التأثير الأوّل المتعلّق بذات
العمل على أوّلهما وعدم التأثير له أيضا على ثانيهما ، وعلى الثالث لا يكون الأمر
الثاني إلّا جزء العلّة.
فعلم أنّ الإيجاد
التام لا يتصوّر استناده إلى الإرادة المتعلّقة بعنوان الإطاعة ، ولا يعقل أن يكون
المريد لها موجدا تامّا بالعناية في حال إرادته إيّاها ، وقد قلنا إنّ الإرادة
الآمريّة لا بدّ وأن يكون مريدها موجدا بالعناية والإيجاد بالعناية مستندا إلى
نفسها بالاستقلال لا مع الضميمة ، كما أنّ الإرادة الفاعليّة يكون مريدها موجدا
بالحقيقة والإيجاد مستندا إلى إرادته بالاستقلال لا بالشركة ، فالأمر المذكور يكون
نصف الأمر لا تمام الأمر ؛ لأنّ الإيجاد بالعناية لا يتأتّى منه.
وبالجملة ، فلا
بدّ أن يكون الأمر بالإطاعة والردع عن المخالفة ارشاديين ، وأمّا أمر الشارع
بإطاعة الوالدين فهو صالح للداعويّة التامّة ، فإنّ أمر الوالدين لو لا أمر الشارع
في البين لم يكن له تأثير أصلا ، وإنّما داعويّته بواسطة أمر الشارع ، فالداعي
الحقيقي إلى الفعل هو أمر الشارع ، وهذا بخلاف ما إذا كان الأمران صادرين من مولى
واحد.
البحث في التجرّي
الأمر الثاني : قد
ظهر ممّا تقدّم أنّ القطع حجّة في نفسه ، فلو علم بأنّ المائع خمر وأنّ الخمر حرام
وشربه ، فصادف كونه خمرا في الواقع ، فلا إشكال في استحقاقه العقاب ؛ لأنّه شرب
الخمر عن حجّة ، وإنّما الكلام في ما لو شرب المائع الذي علم