الخبريّة زيادة على إلقاء الموضوع والمحمول والنسبة قد جعل نفسه أيضا في قيد السامع ، فيستريح السامع من جهته ويتتبع بنفسه الخارج ؛ فإن وجده مطابقا لقوله صدّقه ويتخلّص هو من قيده ، وإن وجده مخالفا له كذّبه ويقع هو في قيد ملامته ، وهذا بخلاف النسب الناقصة ؛ فإنّ المتكلّم بها في راحة وليس في قيد ولو بأن قال : الزيد المتحقّق الثابت قيامه في الخارج بلا شك ولا شبهة ؛ إذ له أن يقول بعد ذلك : ليس بموجود.
ثمّ كما أنّ الاعتقاد طريق للواقع وحكاية عنه لمن ظفر به بوسيلة من يعتقده كذلك هذا التجزّم الذي كشف عنه الرابطة أيضا حاك عن شيئين ، الأوّل أنّ اعتقاد المخبر على طبق خبره ، والثاني أنّ الواقع كذلك ، واسناد الكذب إلى المنافقين في قوله تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) باعتبار الحكاية عن الاعتقاد لا الواقع.
وهذا مراد من قال بأنّ أجزاء القضيّة أربعة وجعل الرابع هو الوقوع في القضيّة المثبتة واللاوقوع في القضية المنفيّة ؛ فإنّ من الظاهر أنّ الوقوع واللاوقوع الخارجيين غير قابلين لجزئيّة القضيّة ، فالمراد هو التجزّم بالوقوع أو باللاوقوع ، ومن قال بأنّها ثلاثة أراد أنّ التجزّم كيفيّة للنسبة لا أنّ منها نسبة ثمّ تعلّق بها جزم ، فليس هنا شيئان ، بل شيء واحد وهو النسبة التجزّمية الوقوعيّة أو اللاوقوعيّة.
والفرق بين مفردات القضيّة الخبريّة وهيئتها أنّ الاولى موضوعة أمارة للذات المقرّرة المعرّاة عن الوجود والعدم ، والثانية موضوعة أمارة لهذه الحالة الموجودة فعلا في النفس بحيث لو لم يكن موجودة حين التكلّم كان الرابط مهملة وغير مستعملة في معنى أصلا ، كما أنّه لو كانت موجودة حين التكلّم بالنسبة الناقصة كانت موضوعة في غير محلّه ، نظير إرادة المعنى الإنشائي حين التكلّم بالخبر.
وأمّا الإنشاءات فهي مشتركة مع الإخبار في أنّها ليست موجدة للمعنى ، ولكنّها