وقد ذكر غيره منهم أشياء كثيرة ، ونحن نذكر شيئا يسيرا منها.
منها ما رووه عن أبي بكر أنّه قال على المنبر : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعصم بالوحي ، وإنّ لي شيطانا يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوّموني. (١)
وكيف تجوز إمامة من يستعين بالرعيّة على تقويمه ، مع أنّ الرعيّة تحتاج إليه؟!
وقال : أقيلوني فلست بخيركم! (٢) فإن كانت إمامته حقّا ، كانت استقالته منها معصية ، وإن كانت باطلة ، لزم الطعن. وقال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. (٣)
ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحقّ فاعلها القتل ، فيلزم تطرّق الطعن إلى عمر ، وإن كانت باطلة ، لزم الطعن عليهما معا. وقال أبو بكر عند موته : ليتني كنت سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هل للأنصار في هذا الأمر حقّ؟ (٤) وهذا يدلّ على أنّه في شكّ من إمامته ، ولم تقع صوابا. وقال عند احتضاره : ليت أمّي لم تلدني! يا ليتني كنت تبنة في لبنة!! (٥)
مع أنّهم نقلوا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : ما من محتضر يحتضر إلّا ويرى مقعده من الجنّة أو النار.
وقال أبو بكر : ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربت يدي على يد أحد الرجلين ، وكان
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٤٠ ، والمعجم الأوسط للطبراني ٩ : ٢٧١ / الحديث ٨٥٩٢ بسنده عن زيد بن عطية ، وطبقات ابن سعد ٣ : ١٢٩ ، والإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٦ ، والصواعق المحرقة : ١٠ ـ ١١ ، ومجمع الزوائد ٥ : ١٨٣ عن الطبراني في الأوسط.
(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ١٧١ ، وتاريخ بغداد ٩ : ٣٧٣ ، والصواعق المحرقة : ١١ ، ومجمع الزوائد ٥ : ١٨٣.
(٣) صحيح البخاري ٨ : ٢١٠ / كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ـ باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت.
والفائق : ١٣٩٣ ، مادة «فلت» ، والنهاية لابن الأثير ٣ : ٤٦٧ ، مادة «فلت» والصواعق المحرقة : ٨ و ١١ و ١٣ و ٣٦ ، وشرح النهج ٢ : ١٤٥ قال : ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال : إنّ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرّها وخشيت الفتنة ... إلى آخر كلامه.
(٤) تاريخ الطبري ٤ : ٥٢.
(٥) الصراط المستقيم للعلامة البياضي ٢ : ٢٩٩.