فأمره (١) بإشخاصه ، فضجّ أهل المدينة لذلك خوفا عليه ، لأنّه كان محسنا إليهم ، ملازما للعبادة في المسجد ، فحلف لهم يحيى أنه لا مكروه عليه ، ثمّ فتّش منزله فلم يجد فيه سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم (٢) ، (فعظم في عينه (٣)) وتولّى خدمته بنفسه ، فلمّا قدم بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطاهري (٤) والي بغداد ، فقال له :
يا يحيى ، هذا الرجل قد ولده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمتوكّل من تعلم ، فإن حرّضته (٥) عليه قتله ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خصمك (٦). فقال له يحيى : والله ما وقعت منه إلّا على خير.
__________________
ويجلسن على مغاز لهنّ عواري حواسر (انظر مقاتل الطالبين : ٥٩٩).
قال جرجي زيدان في «تاريخ التمدّن الإسلامي» ٥ : ١٢٠ ضمن كلامه عن السخاء على الشعراء والمغنّين : «وفاقهم المتوكّل في ذلك ، لأنّه أعطى حسين بن الضحّاك ألف دينار عن كلّ بيت من قصيدة قالها ، وهو أوّل من أعطى ذلك».
وقال في ص ١٢٤ من كتابه المذكور : «وكتب التاريخ والأدب مشحونة بأخبار مجالس الشراب ، وهي في الغالب مجالس الغناء ، ويندر أن يترفّع خليفة أو وزير عنها ، ومن أكثر العبّاسيين رغبة فيها : الهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل ..»
ولو لا الخوف من الإطالة ، لنقلت ما جاء في كتب التواريخ والسيرة والأدب عن ظلمه وإسرافه و
خلاعته وفسقه وفجوره ، لكنّي أكتفي في هذه العجالة بما قاله ابن الأثير في الكامل ٧ : ١١٥ :
وذكر أنّ المنتصر كان شاور في قتل أبيه (المتوكّل) جماعة من الفقهاء ، وأعلمهم بمذاهبه ، وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها ، فأشاروا بقتله ، فكان كما ذكرنا بعضه.
ولا أدري لم كره ابن الأثير المورّخ ذكر الأمور القبيحة التي حكاها المنتصر للفقهاء عن أبيه حتّى أشاروا بقتله ، بينما يفيض في نقل سواها من أخبار المطربات والمغنّيات والمهرّجين؟! قاتل الله العصبيّة! وقد صدق من قال : حبّك الشيء يعمي ويصمّ!
(١) في «ش ١» : وأمره.
(٢) في «ش ٢» : المصاحف وكتب الأدعية والعلم.
(٣) ما بين القوسين سقط من «ش ١».
(٤) في «ش ١» : الطائي.
(٥) في «ش ١» : تحرّضه. في «ش ٢» : حرّضت.
(٦) في «ش ١» و«ش ٢» : خصمك يوم القيامة.