خلفا عن سلف ، إلى أن تتّصل الرواية بأحد المعصومين ، ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد ، وحرّموا الأخذ بالقياس والاستحسان.
أمّا باقي المسلمين ، فقد ذهبوا كلّ مذهب :
فقال بعضهم ـ وهم جماعة الأشاعرة ـ أنّ القدماء كثيرون مع الله تعالى ، وهي المعاني التي يثبتونها موجودة في الخارج ، كالقدرة والعلم وغير ذلك ، فجعلوه تعالى مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى ؛ هو العلم ، وفي كونه قادر إلى ثبوت معنى هو القدرة ، وغير ذلك ، ولم يجعلوه قادرا لذاته ، ولا عالما لذاته ، ولا رحيما لذاته ، ولا مدركا لذاته ، بل لمعان قديمة يفتقر في هذه الصفات إليها ، فجعلوه محتاجا ، ناقصا في ذاته ، كاملا بغيره ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
واعترض شيخهم فخر الدين الرازي عليهم بأن قال : إنّ النصارى كفروا لأنّهم قالوا أنّ
القدماء ثلاثة ، والأشاعرة أثبتوا قدماء (١) تسعة ، وقال جماعة الحشويّة والمشبّهة أنّ الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق ، وأنّه يجوز عليه المصافحة ، وأنّ المخلصين من المسلمين يعانقونه (٢) في الدّنيا (٣).
وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوّز رؤيته في الدنيا ، وأن يزورهم ويزورونه (٤).
وحكي عن داود الظاهريّ أنّه قال : اعفوني عن اللحية والفرج ، واسألوني عمّا وراء ذلك ، وقال أنّ معبوده جسم ولحم ودم ، وله جوارح وأعضاء وكبد ورجل ولسان وعينين (٥) وأذنين ، وحكي أنّه قال : هو مجوّف (٦) من أعلاه إلى صدره ، مصمت ما سوى
__________________
(١) في «ر» : أنّ القدماء.
(٢) في «ر» : يعاينونه
(٣) الملل والنحل ١ : ١٤٨.
(٤) الملل والنحل ١ : ١٣٦ ، قال : «ومن مذهب الأشعري أنّ كلّ موجود يصح أن يرى ، فإنّ المصح للرؤية إنما هو الوجود ، والباري تعالى موجود ، فيصح أن يرى».
(٥) في «ش ١» و«ش ٢» : وعين.
(٦) في «ر» : أجوف.