قال سويد بن غفلة
: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليهالسلام القصر ، فوجدته جالسا ، بين يديه صحفة فيها لبن حازر أجد ريحه من شدّة حموضته ، وفي يديه رغيف أرى قشار الشعير
في وجهه ، وهو يكسر بيده أحيانا ، فإذا غلبه كسره بركبته فطرحه فيه ، فقال : ادن
فأصب من طعامنا هذا! فقلت : إنّي صائم! فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من منعه الصيام من طعام يشتهيه ، كان حقّا على الله
أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها.
قال : فقلت
لجاريته وهي قائمة بقرب منه : ويحك يا فضّة ، ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟ (ألا
تنخلون) له طعاما ممّا أرى فيه من النخالة؟ فقالت : لقد تقدّم
إلينا ألّا ننخل له طعاما.
قال : ما قلت لها؟
فأخبرته ، فقال : بأبي وأمّي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيّام
حتّى قبضه الله عزوجل.
واشترى يوما ثوبين
غليظين ، فخيّر قنبرا فيهما ، فأخذ واحدا ولبس هو الآخر ، ورأى في كمّه طولا عن
أصابعه فقطعه.
قال ضرار بن ضمرة
: دخلت على معاوية بعد قتل عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : صف لي عليّا ، فقلت : أعفني! فقال : لا بدّ أن
تصفه ، فقلت : أما إذ لا بدّ ، فإنّه كان ـ والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ،
يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش
من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، غزير العبرة ،
__________________