هل ترى أنّ الشاعرة التي تخاطب شجر الخابور بقولها :
أيا شجر الخابور ما لك مورِقا |
|
كأنّك لم تجزع على ابن طريف |
أنّها عبدته؟ كلّا ثمّ كلّا.
إنّ العمل لا يتّسم بالعبادة إلّا إذا كانت في نية الداعي عناصر تضفي عليه صفة العبادة وحدّها وهو الاعتقاد بألوهية المدعو وربوبيته وإنّه المالك لمصيره في عاجله وآجله ، وإن كان مخلوقاً أيضاً. والمراد من الدعاء في قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ليس مطلق دعوة الغير ، بل الدعوة الخاصة المضيّقة المترادفة للعبادة ، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ).
وما ورد في الحديث من «أنّ الدعاء مُخُّ العبادة» فليس المراد منه مطلق الدعاء ، بل المراد دعاء الله مخ العبادة. كما أنّ ما ورد في الروايات من أنّه : من أصغى إلى ناطق فقد عَبَدَه ، فإنْ كان ينطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله (١) فليس المراد من العبادة هنا : العبادة المصطلحة ، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.
وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد ، أي كون المدعو ذا اختيارٍ تامّ في التصرّف في الكون وقد فُوِّض إليه شأن من شئُونه سبحانه.
فإذا كان طلب الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة فانّه يُعَدُّ عبادةً
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٤٣٤ الحديث ٤.