رجائهم لشفاعة أنبيائهم وآبائهم في حطّ ذنوبهم وغفران آثامهم ، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ، ويرتكبون الذنوب تعويلاً على ذلك الرجاء.
وفي هذا الموقف يقول سبحانه ردّاً على تلك العقيدة الباعثة على الجرأة : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٥). ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشفاعة المحرّرة من كل قيدٍ : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء / ٢٨). وحاصل الآيتين أنّ أصل الشفاعة التي يدّعيها اليهود ويلوذ بها الوثنيّون حقّ ثابتٌ في الشريعة السماوية ، غير أنّ لها شروطاً أهمّها إذنه سبحانه للشافع ورضاؤُه للمشفوع له.
ولعلّ أوضح دليل على عمومية الشفاعة في الإسلام ما اتّفق على نقله المحدِّثون من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي» (١).
فكان دافع المعتزلة بتخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة هو الموقف الذي اتخذوه في حقّ العصاة ومقترفي الذنوب في أبحاثهم الكلامية. فإنّهم قالوا بخلود أهل العصيان في النار.
ومن الواضح أنّ من يتخذ مثل هذا الموقف لا يصح له أن يعمّم آيات الشفاعة إلى العصاة ، وذلك لأنّ التخليد في النار لا يجتمع مع التخلص عنها بالشفاعة.
قال الشيخ المفيد : اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٤١ وغيرها ، والحديث ممّا اتّفق على نقله المحدثون.