عمره في تفسير القران. وإليك بيانه : إنّ الآيتين في مقام بيانِ أمرٍ آخر وهو أنّ المراد من الإسماع هنا هو الهداية وهي تتصوَّر على قسمين : هداية مستقلة ، وهداية معتمدة على إذنه سبحانه ، والآيتان بصدد بيان أنّ النبي غير قادر على القسم الأوّل من الهدايتين ، بل هي من خصائصه سبحانه ، وإنّما المقدور له هو الهداية المعتمدة على إذنه تعالى ، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ* إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (١).
وإذا قارنتَ قولَه : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) مع قوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) تقف على أنّ المراد من قوله : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) هو نفي الإسماع أو الهداية المستقلّة من دون مشيئته سبحانه ، فكأنّه يقول : لستَ أيّها النبي بقادر على الهداية ، بل الهادي هو الله سبحانه ، ولأجل ذلك يعود فيصف النبي في الجملة الأخيرة بأنّه : (ليس إلّا نذيرلا) المتصرف في عالم الوجود مستقلاً ومعتمداً على إرادته.
وبعبارة ثانية : إنّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم مطلقاً ، شيء ، وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والإسماع مستقلاًّ ومعتمداً على إرادة نفسه ، شيءٌ
__________________
(١) فاطر / ١٩ ـ ٢٣.