والجواب : أنه لمصلحة تجددت وحصلت بعد ما لم تكن ، فإن المصالح تختلف باختلاف الأزمان والأحوال. فرب دواء يصلح في الصيف دون الشتاء ، ولزيد دون عمرو ، ولهذا أورد في التوراة أن آدم أمر بتزويج بناته من بنيه ، ثم نسخ وفاقا.
وثانيهما : أن الحكم إما مؤقت مثل : صم غدا ، فنفيه بعد ذلك لا يكون نسخا ، وإما مؤبد مثل ، صم أبدا. فنسخه تناقض بمنزلة قولك : الصوم واجب أبدا (١) وليس بواجب. وإما مرسل لا توقيت فيه ولا تأبيد ، وحينئذ فإما أن يعلم الله تعالى استمراره ابدا ، فلا يرتفع للزوم الجهل ، أو إلى غاية ما (٢) ، فلا رفع بعدها ولا نسخ.
والجواب : أنه مرسل عن توقيت الوجوب مثلا ، وتأبيده ، والمعلوم عند الله استمرار الوجوب إلى غاية هي وقت نسخه ورفعه ولا تناقض من ذلك ، سواء كان الواجب مؤقتا أو مؤبدا بمنزلة قولك : صوم الغد أو الأبد واجب حينا دون حين. وإنما التناقض في رفع الوجوب بعد تأبيده ، كما إذا قيل : الوجوب ثابت ابدا ، ثم نسخ فيكون زمان لا وجوب فيه ، وهذا لا نزاع في امتناعه ، وهو المراد بقولهم : إن النسخ ينافي التأبيد ، وعليه يبتنى امتناع نسخ شريعتنا. والفرق بين كون التأبيد راجعا إلى الواجب ، أو إلى الوجوب مما يتضح بالرجوع إلى الأصل الذي مهدنا في بحث الرؤية في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٣).
على ان التحقيق أن لا رفع هاهنا. وإنما النسخ بيان لانتهاء حكم شرعي سبق على الإطلاق.
وأما ثانيا ، فبطلان نسخ شريعة موسى (عليهالسلام) لوجهين :
الأول ـ أنه تواتر النص منه على تأبيدها ، مثل : تمسكوا بالسبت ابدا ، وهذه شريعة مؤبدة ما دامت السموات والأرض.
__________________
(١) ليس في (ب) لفظ (أبدا).
(٢) في (ب) تقتضي ذلك بدلا من (ما).
(٣) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣ وتكملة الآية (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)