بكتاب الله ثم سنة رسول الله. وأيضا ورد النص في إصلاح الزوجين بأن يبعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها وغاية متشبثهم أن الله تعالى أوجب القتال لقوله تعالى : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (١) فلا يجوز العدول عنه إلى التحكيم.
والجواب بعد تسليم كون الأمر للفور أو كون الفاء الجزائية للتعقيب أنه إنما أوجب القتال بعد إيجاب الإصلاح. وهذا إصلاح فلا يعدل عنه إلى القتال ما لم يتعذر.
فإن قيل : يزعمون أن الوقيعة في الصحابة (رضي الله عنهم) بالطعن واللعن والتفسيق والتضليل بدعة وضلالة وخروج عن مذهب الحق. والصحابة أنفسهم كانوا يتقاتلون بالسنان ويتقاولون باللسان بما يكره ، وذلك وقيعة.
قلنا : مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ ، وتقرير على قلة التأمل وقصد إلى الرجوع إلى الحق. ومقاتلتهم كانت لارتفاع التباين ، والعود إلى الألفة والاجتماع بعد ما لم يكن طريق سواه.
وبالجملة فلم يقصدوا إلا الخير والصلاح في الدين وأما اليوم فلا معنى لبسط اللسان فيهم إلا التهاون بنقلة الدين ، الباذلين أنفسهم وأموالهم في نصرته ، المكرمين بصحبة خير البشر ومحبته.
قال : وأما بعدهم
(وأما بعدهم فقد جل المصاب وعظم الواقع ، واتسع الخرق على الراقع. إلا أن السلف بالغوا في مجانبة طريق الضلال خوفا من العاقبة ونظرا للمآل).
يعني أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلغ حد الظلم والفسق. وكان الباعث له الحقد والعناد ، والحسد واللداد ، وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ
__________________
(١) سورة الحجرات آية رقم ١٠ وتكملة الآية (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).