قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المقاصد [ ج ٥ ]

229/323
*

وقال الاستاذ أبو إسحاق الأسفرايني (١) بكفر من يكفرنا ، ومن لا ، فلا. واختيار الإمام الرازي أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة. وتمسك بأنه لو توقف صحة الإسلام على اعتقاد الحق في تلك الأصول لكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ومن بعده يطالبون بها من آمن ، ويفتشون عن عقائدهم فيها. وينبهونهم على ما هو الحق منها. واللازم منتف قطعا. ثم فرق بينها وبين ما هو من أصول الإسلام بالاتفاق بأن بعضها مما اشتهر كونه من الدين ، واشتمل عليه الكتاب بحيث لا يحتاج إلى البيان. كحشر الأجساد ، وبعضها مما ظهرت أدلتها على ما يليق بأصحاب الجمل بحيث يتسارع إليها الإفهام ، كحدوث العالم. وإنما طال الكلام فيها لإزالة شكوك الفقهاء المبطلون ، بخلاف الأصول الخلافية ، فإن الحق فيها خفي يفتقر إلى زيادة نظر وتأمل ، والكتاب والسنة قد يشتملان على ما يتخيل معارضا لحجة أهل الحق. فلو كانت مخالفة الحق فيها كفرا ، لاحتيج الى البيان البتة. ثم أجاب عن أدلة تكفير الفرق بعضهم بعضا بأجوبة مبني بعضها على أن خرق الإجماع ليس بكفر ، وأن الإجماع لا ينعقد بدون اتفاق المشبهة والمجسمة والروافض وأمثالهم. وبعضها على أن من لزمه الكفر ، ولم يقل به ، فليس بكافر. وبعضها على أن صاحب التأويل ـ وإن كان ظاهر البطلان ـ ليس بكافر. ووافقه بعض المتأخرين من المعتزلة حذرا عن شفاعة تكفير من تكاد تشهد الأرض والسماء بإسلامهم ، وعن لزوم تكفير كثير من كبارهم ، لكن كلامهم يموج بتكفير عظماء أهل الإسلام ، والله عزيز ذو انتقام. ولقائل أن يجيب عن تمسك الإمام بمنع الملازمة بأن التصديق بجميع ما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) إجمالا كاف في صحة الإيمان ، وإنما يحتاج الى بيان الحق في التفاصيل عند ملاحظتها ، وإن كانت مما لا خلاف في تكفير المخالف فيها ، كحدوث العالم ، فكم من مؤمن لم يعرف معنى الحادث والقديم (٢) أصلا ، ولم يخطر بباله حديث حشر الأجساد قطعا. لكن إذا لاحظ ذلك ، فلو لم يصدق كان كافرا.

__________________

(١) سبق الترجمة عنه ، والحديث عن أعماله في كلمة وافية في الجزء الأول.

(٢) القديم : يطلق على الموجود الذي لا يكون وجوده من غيره ، وهو القديم بالذات ، ويطلق القديم على الموجود الذي ليس وجوده مسبوقا بالعدم ، وهو القديم بالزمان. والقديم بالذات يقابله المحدث بالذات ، وهو الذي يكون وجوده من غيره كما أن القديم بالزمان يقابله المحدث بالزمان ، وهو الذي سبق عدمه وجوده سبقا زمانيا ، وكل قديم بالذات قديم بالزمان ، وليس كل قديم بالزمان قديما ـ