وأما تقريرهم من المعجزات فإجمالا أنه لا يبعد أن يختص بعض النفوس الإنسانية بقوة هي مبدأ لأفعال غريبة بسبب ما لها من الخصوصية الشخصية ، أو بسبب أمر طارئ عليها من غير اكتساب أو حاصل لها بالاكتساب على ما هو شأن أكثر الأولياء ، وهذا لا ينافي اتحاد النفوس بحسب النوع : وتفصيلا أن المشهور من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء ثلاث بحسب القوة الإنسانية ، والقوة الحيوانية باعتبار الحركات والسكنات.
فالأول : الاطلاع على المغيبات ، وليس ببعيد لتحقيقه في حال النوم على ما تعرفه من نفسك وتسمعه من غيرك. وسبب ذلك اتصال النفس بالمبادئ العالية ، اعني العقول والنفوس السماوية المنتقشة بصور ما يستند إليها من الحوادث لما تقرر من أنها عالمة بذواتها ، وأن العلم بالعلل والأسباب يوجب العلم بالمعلولات والمسببات. غاية الأمر أن علم العقول بالحوادث لا يكون إلا على وجه كلي خال من قيد الهذية وخصوص الوقتية ، والكاملون قد يدركونها على الوجه الجزئي ، إما بجعلها جزئية بمعونة الحواس الباطنة على ما قررها الحكماء ، وإما لارتسامها في النفوس السماوية ، كذلك على ما يراه بعضهم ، ومعنى اتصال النفس بالمبادئ العالية صيرورتها مستعدة لفيضان العلوم عليها بحصول القوى لها وزوال المانع ، أعني الشواغل الحسية عنها ، بمنزلة مرآة مجلوة تحاذي شطر الشمس ، ولا يلزم من ذلك انتقاشها بجميع ما في المبادي من الصور ، لأن لقبول كل صورة استعدادا يخصها.
والثاني : ظهور حركات وأفعال تعجز عن أمثالها أمثاله ، كحدوث رياح وزلازل ، وحرق ، وغرق ، وهلاك أشخاص ظالمة ، وخراب مدن فاسدة ، وانفجار المياه من الأحجار ، بل من الأصابع ، وليس ببعيد ، لأن علاقة النفس مع البدن إنما هي بالتدبير والتصرف ، لا الحلول (١) والانطباع ، فيجوز أن يكون بعض النفوس
__________________
ـ يخرج الجنس ، والعرض العام لأنهما مقولان على حقائق وقولنا قولا عرضيا يخرج النوع والفصل لأن قولهما على ما تحتهما ذاتي لا عرضي ، وخاصة الشيء : ما لا يوجد بدون الشيء والشيء قد يوجد بدونها مثل الألف واللام. لا يوجدان بدون الاسم ، والاسم يوجد بدونهما كما في زيد.
(١) الحلول السرياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيت تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، ـ