القول بخلاف ذلك الى المعتزلة إلا أن المتأخرين منهم يعدون ذلك نسخا ، ويخصون التخصيص بما يكون دليله متصلا ، ويجوزون الخلف في الوعيد. ويقولون : الكذب يكون في الماضي دون المستقبل. وهذا ظاهر الفساد. فإن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو كذب سواء كان في الماضي أو في المستقبل. قال الله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) ثم قال : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) (٢)
على أن المذهب عندنا أن إخبار الله تعالى أزلي لا يتعلق بالزمان ، ولا يتغير بتغيير المخبر به على ما سبق في بحث الكلام.
فإن قيل : فعليه ما ذكرتم يكون حكم العام هو التوقف حتى يظهر دليل الخصوص.
قلنا : لا ، بل يجرى على عمومه في حق العمل. بل وفي حق وجوب اعتقاد العموم ، دون فرضيته. وهذا البحث مستوفى في أصول الفقه. وقد بسط الكلام فيه صاحب التبصرة بعض البسط ، وللإمام الرازي هاهنا جواب إلزامي وهو أن صدق كلامه لما كان عندنا أزليا ، امتنع كذبه ، لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه. وأما عندكم فإن امتنع كذبه لكونه قبيحا فلمقلتم : إن هذا الكذب قبيح ، وقد توقف عليه العفو الذي هو غاية الكرم؟ وهذا كمن أخبر (٣) أنه يقتل زيدا غدا ظلما ، ففي الغد ، إما أن يكون الحسن قتله ، وهو باطل ، وإما ترك قتله ، وهو الحق. لكنه لا يوجد إلا عند وجود الكذب. وما لا يوجد الحسن إلا عند وجوده حسن قطعا. فهذا الكذب حسن قطعا ، ويمكن دفعه بأن الكذب في إخبار الله تعالى قبيح وإن تضمن وجوها من المصلحة ، وتوقف عليه أنواع من الحسن لما فيه من مفاسد لا تحصى ومطاعن في
__________________
(١) سورة الحشر آية رقم ١١.
(٢) سورة الحشر آية رقم ١٢.
(٣) في (ب) قال بدلا من (أخبر).