العلم بكونه في وقت الكون من غير تجدد ولا كثرة ، وإنما المتجدد هو نفس المتعلق والتعلق به ، وذلك مما لا يوجب تجدد المتعلق ، بعد سبق العلم بوقوعه في وقت الوقوع ، وفرض استمراره إلى ذلك الوقت ، فإنا لو رفعنا كل علم حادث من النفس لم يكن في حال حدوثه غير معلوم ، وإلا كان العلم بأن سيكون في وقت كونه ـ مع القول بفرض استمراره ـ جهلا ، وهو محال. ولهذا إن من علم بالجزم بأن سيقوم زيد مثلا ، في الوقت الفلاني ، فإنه لا يجد نفسه محتاجة إلى علم متجدد بوقوعه في ذلك الوقت ، إذا انتهى إليه ، وفرضنا بقاء علمه السابق إلى ذلك الوقت. وما يجده الإنسان من نفسه من التفرقة بين قبل الكون وبعده فإنما هو عائد إلى إدراكات حسية ، وأمور خارجية عن العلم لم تكن قبل الكون. أما في نفس العلم فلا. بل غاية ما يقدر أن تعلق العلم به ، عند الكون ، لم يكن متحققا قبل الكون. وغاية ما يلزم ذلك انتفاء تعلق العلم بوجوده في حال عدمه ، وتجدد التعلق به في حال الوجود ، وذلك مما لا يلزمه القول بحدث صفة العلم ، بل العلم قد يكون قديما وإن كان ماله من التعلقات والمتعلقات متجددة ، ومتغيرة ، بناء على تجدد شروط التعلق وتغيرها.
كيف وأن هذا مما لا يتجه من الخصم ، سواء كان نافيا كالمعتزلي والفلسفي ، أو مثبتا له حادثا كالجهمي ، وذلك لأن سبق العلم بوجود الشيء في حالة عدمه ، إن كان جهلا ، والجهل قبيح ، فلا محالة أن القول بانتفاء العلم به أيضا جهل ، ويلزم أن يكون قبيحا ، وليس انتفاء العلم أصلا ورأسا كما ظنه النفاة ، أو انتفاء قدمه كما ظنه الجهمي ، لضرورة دفع ما يتحصل من تحقق الجهل ـ بأولى من إثباته والقول بقدمه ، دفعا لما يلزم من الجهل ، ولا محيص عنه. وما يخص المعتزلة من النفاة لزوم ما ألزموه عليهم في العالمية ، حيث قضوا بكون الباري تعالى عالما في القدم ، وعند ذلك : فإما أن يكون عالما بوجود الحادث قبل حدوثه ، أو تجددت له العالمية بتجدد الحادث ، وعلى