كل تقدير فما هو جواب لهم في حكم العلم هو جواب لنا في نفس العلم.
وما يخص الجهمية هو أن يقال : ولو كانت العلوم الربانية حادثة ، فتلك العلوم إما أن تفتقر إلى علوم تتعلق بها في حال حدوثها أو لا تفتقر ، لا جائز أن يقال بالأول ، وإلا أفضى إلى التسلسل وهو محال. ولا جائز أن يقال بالثاني ؛ إذ لو استغنت عن تعلق العلم بها مع كونها حادثة لكان كل حادث هكذا كيف وأن عند الخصم أن العلم الحادث سابق على المعلوم بشيء يسير ، وكل علم سابق ـ كان السبق متناهيا أو غير متناه ـ فإنه علم ما سيكون لا علم بالكون ، إذ العلم بالكون قبل وقته يمتنع. وعند هذا فلا فرق بين أن يكون حادثا أو قديما فيما يرجع إلى نفس ما أورده من الإلزام. وليس تعلق العلم بالمعلوم عبارة عن انطباع صورة المعلوم وشكله ، في نفس العالم به ، وإلا لما تصور القول بتعلق السواد والبياض معا ؛ لما فيه من القول باجتماع الضدين في محل واحد ، وليس الاستحالة في اجتماعها منوطة بالحدث والوجود العيني ، فإن ذلك مما لا يوجب التضاد ؛ لكونه قضية واحدة لا اختلاف فيها ، فإذا ليس التضاد إلا لما أمكن تعقله من معنى السواد والبياض وما يلتحق بكل واحد منهما ، مما يكون به الاشتراك بينهما في حالة الوجود العيني.
كيف وأنه لو كان التعلق هو الانطباع ، لما تصور أيضا أن يتعلق العلم بما يزيد في الكم على محل الانطباع ، ثم إن ذلك إنما يستند إلى أصل فلسفي. وهو مناقض لأصله في ذلك ، من جهة قضائه بإدراك القوة الوهمية بآلة جرمانية ، لما لا تجزؤ له في نفسه ، وليس بمادي ، وذلك على نحو إدراك الشاة للمعنى الموجب لنفرتها عن الذئب ، فلو كان التعلق هو نفس الانطباع ، فكما يستحيل انطباع المتجزئ فيما لا تجزؤ له ، فكذا يستحيل انطباع غير المتجزئ في المتجزئ ، فليس التعلق إذا إلا عبارة عن معنى إضافي ، يحصل بين العلم والمعلوم. وذلك مما لا يستدعي كون المعلوم معنى وجوديا ، ولا أمرا حقيقيا ،