محل ، وتجدده بتجدد المعلومات ، وتكثره بتكثرها ، ليس إلا هذه الخيالات ، والاعتماد على هذه التمويهات ، والكشف عن وجه الحق فيها متوقف على الانفصال عنها ، فنقول : قد قدمنا أنه لا بدّ أن يكون له علم ، وما قيل من إنه إما أن يكون بديهيا أو نظريا ، فإنما ينفع أن لو تبين قبوله لهذا الانقسام وإلا فلا ، ومجرد القياس على الشاهد في ذلك مما لا يفيد كما أسلفناه. ثم إن البديهي لا معنى له إلا ما حصل من غير نظر ولا دليل ولا تصح مفارقته أصلا ، وهذا بعينه ما ثبت للرب تعالى ، وإن لم يصح إطلاق اسم البديهة عليه ، من جهة الشرع ، لعدم وروده به. فالمنازعة إذا ليست إلا في إطلاق اللفظ ، لا في نفس المعنى ، ولا حاصل له ، اللهم إلا أن يعني بالبديهية غير ما ذكرناه. والاشتراك بين العلم القديم والحادث إنما يلزم أن لو اشتركا فيما هو أخص صفة لكل واحد منهما أو لأحدهما وليس كذلك ، بل صفة العلم الرباني : وجوب تعلقه : سائر المعلومات ، من غير تأخر ، على وجه التفصيل. وأخص وصف العلم الحادث جواز تعلقه بالمعلومات ، لا نفس وقوع التعلق. ولا يخفى إذ ذاك انتفاء الاشتراك بينهما. ثم إن ذلك لازم على المعتزلي في العالمية أيضا ، إذ نسبة العالمية إلى العلمية ، على نحو نسبة العلم إلى العلمية.
وما قيل : من أنه لو تعلق علمه بذاته بغير ذاته لاتحدا أو تغايرا وهما محالان ، ففاسد ، إذ لا مانع من أن يكون العلم في نفسه واحدا ، ومتعلقاته مختلفة ، ومتغايرة.
وهو متعلق بكل واحد منهما على نحو تعلق الشمس بما قابلها واستضاء بها ، بل وعلى نحو ما يقوله الخصم في العقل الفعال لنفوسنا ، فإنه متحد ، وإن كانت متعلقاته متكثرة ومتغايرة.
وما اعتمد عليه في اختصاص التعلق بالكليات دون الجزئيات فباطل أيضا ، فإن تعلق العلم بالكائنات مما لا يوجب تجدد العلم ولا الجهل من سبقه ، إذ السابق هو العلم بأن سيكون والعلم بأن سيكون الشيء هو نفس