الطرف الرابع
في إثبات صفة الكلام (١)
__________________
(١) وقد أجمع المسلمون قاطبة على اتصاف الرب ـ تعالى ـ بكونه متكلما ـ وأنه تكلم ، ويتكلم ، غير الإسكافي من المعتزلة ؛ فإنه نازع في كونه يتكلم. متحكما في الفرق بين تكلم ، ويتكلم. لكن معنى كونه متكلما عند أصحابنا : أنه قام بذاته كلام ، قديم ، أزلي نفساني ، أحدي الذات ، ليس بحروف ، ولا أصوات ، وهو مع ذلك متعلق بجميع متعلقات الكلام. لكن اختلفوا في وصف كلام الله ـ تعالى ـ في الأزل بكونه أمرا ونهيا ، مخاطبة تكلما ، فأثبت ذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري ، ونفاه عبد الله بن سعيد ، وطائفة كثيرة من المتقدمين : مع اتفاقهم على وصفه ـ تعالى ـ بذلك فيما لا يزال. وأما المعتزلة : فقد اتفقوا كافة على معنى أن كونه متكلما. أنه خالق للكلام على وجه لا يعود إليه منه صفة حقيقية كما لا يعود إليه من خلق الأجسام وغيرها صفة حقيقية ، واتفقوا أيضا على أن كلام الرب ـ تعالى ـ مركب من الحروف ، والأصوات ، وأنه محدث مخلوق. ثم اختلفوا : فذهب الجبائي ، وابنه أبو هاشم : إلى أنه حادث في محل. ثم زعم الجبائي أن الله ـ تعالى ـ يحدث عند قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محل القراءة ، وخالفه الباقون. وذهب أبو الهذيل بن العلاف ، وأصحابه : إلى أن بعضه في محل ؛ وهو قوله (كُنْ) وبعضه لا في محل ؛ كالأمر ، والنهي ، والخبر ، والاستخبار. وذهب الحسين بن محمد النجار : إلى أن كلام الباري ـ تعالى ـ إذا قرئ ؛ فهو عرض ، وإذا كتب ، فهو جسم. وذهب الإمامية والخوارج ، والحشوية أيضا : إلى أن كلام الرب ـ تعالى ـ مركب من الحروف ، والأصوات. ثم اختلف هؤلاء : فذهبت الحشوية : إلى أنه قديم أزلي ، قائم بذات الرب ـ تعالى ـ لكن منهم : من زعم أنه من جنس كلام البشر. ومنهم من قال : ليس من جنس كلام البشر ؛ بل الحرف حرفان ، والصوت صوتان قديم ، وحادث ، والقديم منهما ليس من جنس الحادث. وأما الكرامية : فقالوا : إن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم ، وقد يطلق على الأقوال ، والعبارات. وعلى كلا الاعتبارين ؛ فهو قائم بذات الرب ـ تعالى ـ لكن إن كان بالاعتبار الأول : فهو قديم متحد ، لا كثرة فيه. وإن كان بالاعتبار الثاني ؛ فهو حادث متكثر. وأما الواقفية : فقد أجمعوا على أن كلام الله ـ تعالى ـ كائن بعد ما لم يكن ؛ لكن منهم من توقف في إطلاق اسم المخلوق ، وأطلق اسم الحادث عليه. ومن القائلين بالحدوث : من قال : ليس هو جوهرا ، ولا عرضا. وذهب بعض المعترفين