النبوة ، ولا إلى علمه بنبوته ؛ إذ العلم بالشيء غير الشيء ، (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : ١١] ؛ فليست إلا موهبة من الله تعالى ، ونعمة منه على عبده ، وهو قوله لمن اصطفاه واجتباه : إنك رسولي ونبيي.
وإذا عرف محز الخلاف ، فنعود إلى بيان الأطراف :
الطرف الأول
في بيان الجواز العقلي
مذهب أهل الحق أن النبوات ليست واجبة أن تكون ولا ممتنعة أن تكون ، بل الكون وأن لا كون بالنسبة إلى ذاتها وإلى مرجحها سيان ، وهما بالنظر إليه سيان ، وأما أهل الطعان فحزبان : حزب انتمى إلى القول بالوجوب عقلا ، كالفلاسفة والمعتزلة.
وحزب انتمى إلى القول بالامتناع كالبراهمة والصابئة والتناسخية ، إلا أن من البراهمة من اعترف برسالة آدم دون غيره ، ومنهم من لم يعترف بغير إبراهيم ، وأما الصابئة فإنهم اعترفوا برسالة شيث وإدريس دون غيرهما ، ولا بدّ من التفصيل في الرد على أهل التضليل :
فأما الفلاسفة والمعتزلة :
فإنهم قالوا : لما كان نوع الإنسان أشرف موجود في عالم الكون ؛ لكونه مستعدا لقبول النفس الناطقة ، القريبة النسبة من الجواهر الكروبية ، والجواهر الروحانية ، لم يكن في العقل بد من حصول لطف المبدأ الأول ، وإفاضة الجود منه عليهم ، لتتم لهم النعمة في الدنيا والسعادة في الأخرى ، وكل واحد من الناس قلما يستقل بنفسه وفكرته ، وحوله وقوته ، في تحصيل أغراضه الدنياوية ، ومقاصده الأخروية إلا بمعين ومساعد له من نوعه ، وإذ ذاك فلا بد من أن تكون بينهم معاملات ، من عقود بياعات وإجارات ومناكحات ، إلى غير ذلك ، مما تتعلق به الحاجات ، وذلك لا يتم إلا بالانقياد ، والاستسخار من البعض للبعض ، وقلما يحصل الانخضاع والانقياد من المرء لصاحبه بنفسه ، مع